فهد عبدالله

القفز من الصندوق

الخميس - 11 يونيو 2020

Thu - 11 Jun 2020

أحد الأصدقاء الأفاضل يحكي لي قصته في تناوله في الأمور الإدارية، خاصة في جانب التطوير وحل المشكلات، يقول: أجد نفسي أضع حلولا وأفكارا قبل أن أجتمع مع المعنيين، وإذا ظهرت فكرة جديدة من خلال الآخرين وبطريقة لا واعية أجدني أحاكمها من خلال تلك الأفكار التي فكرت بها مسبقا، وجميع الحلول والأفكار التطويرية التي أضعها هي بمثابة المرجع الذي يجري تقييم الأفكار من خلاله، وبعد فترة من الزمن أكتشف أن جميع الحلول السابقة والأفكار التي تم تنفيذها ما هي إلا حلول وأفكار مكررة تستهلك بأشكال مختلفة.

شكرت له مشاركتي تلك التجربة المفيدة التي قد لا تجدها إلا في ثنايا الأعمال وتكوين الخبرات أكثر من الجلوس على كراسي التعلم أو انحناءة ظهر لقراءة في الأوراق البيضاء والصفراء، والحقيقة مجرد وجود حس المراجعة لكيفية العمل ومحاولة معرفة الأمر الصحيح من الخاطئ أو الأصح من بين الأمور الصحيحة يمثل تلك العتبة الكبيرة التي تشرف على مدخل بيت النقد الذاتي والتطوير، ووجود هذه العتبة ووضوح ملامحها هما الركن الأساسي الذي تقوم عليه جميع الأنظمة التحسينية الإدارية والفنية، تتبع فقط أقرب نظام إداري أو فني تعرفه ستجده يدور حول فكرة التحسين المستمر.

قد يكون بعض الأحيان الميل للمنطقية وربط الأمور بعضها ببعض هو ما يقف حجر عثرة أمام تدفق الأفكار المختلفة وغير المترابطة، مما يجعل الحلول تركض في دائرة ضيقة وصغيرة ويجعل الإنسان في كثير من الأحيان قد يصيب التكهن بالحلول قبل أن تحدث المشكلة وعند حدوثها، وفي الجهة الأخرى السُلطة الكبيرة للأفكار التي نمتلكها على توجيه تفاعلنا تجاه عملية التفكير والتفاعل مع الآخرين في منتجاتهم الفكرية، والتي صنعت سقفا تصدم عنده الأفكار المختلفة، ولا يمكن لهذه السُلطة أن تتسم بالديناميكية في التفاعل والخروج عن الطرق التقليدية إلا بوضع حل لمعضلة السقف الذي لا يتزحزح.

حتى في الاستخدام الخاطئ لعمليات العصف الذهني وفي إطار نمطية الأفكار والبحث عن المنطق من خلالها تجد أنه في كثير من الأحيان تنتهي هذه العملية في أقل وقت ممكن وبأقرب فكرة استحسنها الأغلبية، وتكون فكرة ليست بالجديدة، وإنما جرى استهلاكها هنا وهناك دون الاعتبار للهدف الرئيسي من عملية العصف الذهني بالخروج على المألوف وكثرة الأفكار وتنوعها وعدم التقييم المبدئي لها، وفي الأغلب تؤول إلى عملية لانتخاب وتنصيب أقرب فكرة أكثر من أنها عملية يلفها الإبداع وتزداد حيويتها بالخروج من الصندوق.

وعبارة آينشتاين التي قد توصف بأنها متشددة «إذا لم تكن الفكرة عبثية في بدايتها فلا أمل منها»، إلا أنها تصف أهمية غرابة الأفكار وعدم التمسك بالمنطق من خلال التفكير والطرح والتناول الذهني، خاصة عندما تبحث عن فكرة جديدة أو حل جديد.

التحرر من سلطة الأفكار التي لدينا وتفهم ومحاولة إثبات جودة أفكار الآخرين ذهنيا وإتاحة الأجواء طولا وعرضا للفكرة الجديدة بأن تولد ستكون دعامة أساسية ليس للتحسين المستمر فحس، وإنما للتحسين المتسارع، وليس للخروج من الصندوق فحسب، وإنما للقفز منه أيضا.