أخلاقيات النقد البناء

الإنسانُ معارف، والدول الآن قائمةٌ على الثقافات، وكل يوم تخرج لنا مئاتُ القضايا تطوف حولها آلاف الآراء المختلفة والمتناقضة، وهذا الاختلاف هو الذي ينتج لنا هذا التنوع المعرفي والثّقافي والحضاري. ومع انفتاح عالم الاتصالات وسهولة تبادل الآراء وإبانتها برزت لنا أداة (قديمة متجددة) في طريقة تناول هذه الآراء وهي أداة النقد.

الإنسانُ معارف، والدول الآن قائمةٌ على الثقافات، وكل يوم تخرج لنا مئاتُ القضايا تطوف حولها آلاف الآراء المختلفة والمتناقضة، وهذا الاختلاف هو الذي ينتج لنا هذا التنوع المعرفي والثّقافي والحضاري. ومع انفتاح عالم الاتصالات وسهولة تبادل الآراء وإبانتها برزت لنا أداة (قديمة متجددة) في طريقة تناول هذه الآراء وهي أداة النقد.

الاثنين - 09 يونيو 2014

Mon - 09 Jun 2014



الإنسانُ معارف، والدول الآن قائمةٌ على الثقافات، وكل يوم تخرج لنا مئاتُ القضايا تطوف حولها آلاف الآراء المختلفة والمتناقضة، وهذا الاختلاف هو الذي ينتج لنا هذا التنوع المعرفي والثّقافي والحضاري. ومع انفتاح عالم الاتصالات وسهولة تبادل الآراء وإبانتها برزت لنا أداة (قديمة متجددة) في طريقة تناول هذه الآراء وهي أداة النقد.

النقد من مهمّات تقدم الإنسانية وأي مشروع إنسانيّ أو حضاريّ أو ثقافيّ يجب أن يُوضع تحت مجهر النقد، إذ إنه هو الذي يبرزُ لنا النقص الموجود ومن خلاله نستطيع أن نرى المشروع من زوايا مختلفة. والمطَّلع على المواقع الاجتماعية والساحات الثقافية يرى كثرة ركوب موجة النقد في ظل انفتاح سبل الاتصالات وتقنية المعلومات، وعاصفة النقد قد طالت أكثر المشاريع الموجودة وخاصة الثقافية والفكرية. وهذا الإكبابُ على النقد أظهر لنا ضرورة إعادة النظر في أخلاقيّات النقد وآدابه حتى نكون منصفين حال النقد ولا نجحف في الحكم على أي مشروع، وهذه جملةٌ من أخلاقيّات النقد البناء، وهي أطرٌ عامة تكاد تكون متفقا عليها بين جميع مناهج النقد وإن كان هناك اختلاف في بعض الجزئيات هل هي من النقد البناء أم لا؟! إذ إنَّ لكل منهجٍ نقدي أدواته الإجرائية ومفاهيمه الخاصة حول النقد، لكنها أطر عامة ينبغي لكل منصف ناقد أن يحرص على الالتزام بها وإشاعتها حتى تتأثّل في النفوس؛ ومن هذه الأخلاقيات:

1ـ النقد المُبَرَّر: إذ أصبح النقد عند البعض موضة متبعة أو مجرد تقليد، رغم أنه غير مُلمٍّ بالموضوع وربما لا يعرفه أصلًا ولكنه يقلد من يتبعُه فقط !

وهذا يظهر كثيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي، بل يصلُ الأمر إلى التعصب لشخصٍ معين أو مذهبٍ معين فينقد كل من يخالفُ هذا الشخص أو المذهب وإن لم يستحق النقد وهذا يوقع الناقد في إشكالاتٍ كبيرة وحرجة حيث يكون نقده غالبا هشًّا ضعيفًا.

2ـ نقد الفكرة فقط: كثيرٌ من الخطابات النقدية تحيفُ ويتحوّل مسارُها من نقد الفكرة إلى التهكُّم بالذات والسخرية بالشخص، وهذا ما لا ينبغي أن يكون عليه الناقد المنصف، إذ إنه يجب أن يتناول الفكرة بأداته الناقدة دون إدخال ذات الشخص، فإن النقد أداةٌ لكشف الحقيقة في الفكرة وإظهار الزيف إن وجد، لا أداة للتشفّي.

3ـ عدم التدخل في النيات: فالنيّات لا يعلمها إلا الله ولا يصح أن ننقد الفكرة بادعائنا (أن نيته كذا ) فالنقد يجب أن يتناول الفكرة فقط، وهذا فرع عن الذي قبله.

4ـ استخدام الألفاظ الحسنة: يقول المزني: سَمِعني الشافعي يومًا وأنا أقول: فلان كذاب، فقال لي: يا إبراهيم، اكسُ ألفاظك أحسنَها، ولا تقل: كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيءٍ. فالنقد أداةٌ للتقويم وتبادلٌ لوجهات النظر، ويبنغي على الناقد أن يلتزم بالأخلاق العامة أثناء النقد والابتعاد عن التعدي باللسان.

5ـ عدم التعميم: فالنقد يجب أن يتناول هاته الفكرة فقط دون التعميم على جميع أعماله، فلا يصح أن نتخلى عن كل أطروحات الشخص بمجرد أننا نقدنا فكرة أو مقالا من مقالاته بل لكل عمل ثقافي أو فكري نقدٌ خاص به.

6ـ الموضوعية: ينبغي أن يطرح الناقد طرحا علميًّا ويبتع فيه الخطوات العلمية ويظهر أدلته وبراهينه التي تؤيد ما ذهب إليه.

7ـ العدالة: يجب أن يكون الناقد عادلا فيما ينسبه وينقله من كلام، فلا يبتر الكلام لينقد جزءًا منه ولا ينقل الفكرة من موضع لآخر كأن يكون الكاتب قال الجملة في معرض ردّه على غيره أو يكون قد قال حكايةً عن غيره فيُصيِّرهُ الناقد وكأنّه من قوله ثم ينقده، أو أن يستنتج أمرا أو لازما لا يلتزمه صاحب الفكرة، ولا ينبغي أن تُعتسف الأمور ويُلوى عنق الفكرة لمجرد النقد.

8ـ الحيادية: من المهم جدا أن يكون الناقد حياديّا وألا ينطبق عليه قول القائل:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

بل يجب أن يتناول الفكرة التي ينقدها بحيادية تامة واضعا الفكرة في ميزان العقل والعلم لا في ميزان الهوى.

9ـ الضبط: من المهم جدا أن يكون الناقد على معرفة تامة بمحل النزاع حتى لا يجور في الحكم ويتعدى محل النزاع إلى غيره، كما ينبغي أن يكون الناقد ملما بالمصطلحات والمفاهيم فقد ينقد فكرة ما بناء على اصطلاح يذهب إليه هو ثم يظهر أن صاحب الفكرة بعيد جدا عن مراد الناقد.

10ـ يجب أن يعرف الناقد جيدا أن النقد رأي مضاد، ويجب أن يحتمل ما احتمله الأول من نقد آخر، فليس الناقد على صواب دائما خاصة في المسائل الخلافية؛ فهي وإن كانت تحتمل النقد إلا أنه يبقى وجهة نظر.

وأخيرا فإن النقد بناء لا هدم ورقي لا انحطاط، وهو بمثابة تعاون مشترك بين البشرية جمعاء للارتقاء بأفكارها ومشاريعها، فيجب أن يكون النقد متلبسا بهذه الأخلاقيات التي تزيد البناء قوة ومتانة.