علي المطوع

العالم وازدواجية المفاهيم

الاحد - 07 يونيو 2020

Sun - 07 Jun 2020

الأزمات تعيد تشكيل خارطة المفاهيم، فتؤزم المأزوم، وتشكل خارطة جديدة للدول والشعوب، في أمريكا بلد الحريات، يستقطب علية القوم في تفسير معاني الحرية ونبذ العنصرية، ترمب يريد من الحرس الوطني النزول إلى الشوارع لحفظ النظام، وخصومه الديمقراطيون يرون في ذلك مصادرة للنظام والدستور الذي كفل حرية التعبير وصيانتها!

قتلة المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد يتكئون على مفاهيم وقوانين تخولهم القتل تحت أي ذريعة لحفظ النظام وصيانة الحريات، والسود ينتفضون متسلحين بالدستور وديموقراطية أمريكا المزعومة التي تدعو إلى العدل والمساواة ونبذ العنصرية، وهنا تكمن ازدواجية المفاهيم بين نصوص ثابتة وظواهر عنصرية تصادر إنسانية الإنسان، وتعيده إلى المربعات الأولى لمظاهر الظلم والطغيان.

أمريكا هي الراعي الرسمي لحقوق الإنسان وبمقاييسها ونفوذها تجدد وتحدد مناطق هذه الحقوق وتعيد تشكيل ورسم خارطة تلك المفاهيم بما يتوافق مع مصالحها ورؤاها، في الوقت نفسه شرطي أبيض يقتل مواطنا أسود، ينتفض السود ويؤيدهم بيض ديموقراطيون نافذون، ليس إيمانا بعدالة قضيتهم، ولكن لكونهم رقما مفيدا في سباق انتخابي قادم، الغلبة فيه للصوت والمعركة تكون من خلال ذلك الصندوق الذي يسمونه تجاوزا بالديمقراطية!

أمريكا بلد الحريات وتمثال الحرية ليس صناعة أمريكية، ولا كان فكرة إبداعية لفنان أمريكي، بل كان هدية من فرنسا للعالم الجديد الذي أريد له أن يكون مهدا للحرية ومسرحا لها، وهنا يكمن تناقض آخر يذكرنا بأن أمريكا تستهلك المفاهيم، وعندما تصبح في مفترق طريق مصلحي تعود إلى النقيض وتعيد تبويبه ليصبح مفهوما جديدا من مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان.

في عالمنا العربي، بدأت تلك الازدواجبة مبكرا، فكان شعار مرحلة سابقة من تاريخنا العربي (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، بعد عشرات السنين من هذه التجربة وتحت هذا الشعار انقلب الكبار على الصغار وتم إخراج دول من الجغرافيا وإدخالها التاريخ، صُدم العرب وراحوا يفكرون في مفهوم جديد يعيدهم إلى الحاضر ويسهم في جعلهم أمة راقية متحضرة، بعد أن غابت تلك الرسالة وحلت الخيبة لتكون شاهد الخلود على ذلك الزمن البئيس وتلك التجربة المرة.

اليوم العرب على هامش الأحداث، بلادهم ممزقة، وقوى إقليمية تنازعهم السيادة، من كان يصدق أن تركيا ستذهب إلى ليبيا، ومن كان يظن أن إيران ستقرر مصير بعض البلدان، كل ذلك تحت مظلة تلك المعايير المزدوجة التي ستعيد صياغة حقوق الشعوب وفق ما تريده دول إقليمية مارقة وجماعات وأحزاب تدعي المعارضة، هذه الفلول باعت أوطانها وكان الثمن لأفرادها حق الإقامة مخذولين مسيرين في بلدان تدعي الديموقراطية، فتنعم على هؤلاء بتلك الحرية التي لا يتجاوز سقفها سب بلدانهم ورموزها، ليكون ذلك ثمنا لتلك الحرية المزعومة التي يعيشونها تحت مسمى مضطهدين، وهم في حقيقتهم ناقمون، مجرد أدوات ستحرقهم مرحلة من المصالح قادمة تحت ذريعة قادمة وازدواجبة جديدة في المفاهيم يسودها تغليب مصالح الأعداء على العرب وأرضهم وقضاياهم العادلة.

alaseery2@