آلاء لبني

السياسة الانتقائية والبيئة

الأربعاء - 03 يونيو 2020

Wed - 03 Jun 2020

يونيو شهر بيئي بامتياز ما بين اليوم العالمي للبيئة واليوم العالمي للمحيطات. تكرر خلال الأشهر الفائتة في أزمة كورونا أن البيئة هي المستفيد الوحيد! هذه العبارة البعض يتفق معها وآخرون لا، وإن كانت الأصوات الأكثر جلبة أخذت حيزا كبيرا حتى بين الأوساط البيئية الإعلامية.

هل فعلا استفادة البيئة في العالم من كوفيد 19حقيقة أم مجرد مظاهر إيجابية محدودة؟ هل تلك الآثار الإيجابية لها انعكاسات طويلة الأمد على البيئة؟ ما حقيقة بعض الدراسات والأحاديث التي تتكلم عن تأثير تلوث الهواء في نقل كورونا ومدى صحتها؟ وما هو الهدف فعلا من ورائها؟ ما المواضيع التي ستساهم كورونا بوضعها على هرم الأولوية الدولية؟ مثلا كورونا دفعت روسيا لمنع تصدير القمح خلال الأزمة، ستختلف نظرة الدول نحو قضايا الأمن الغذائي والمائي في المستقبل وستتغير الكثير من السياسات الزراعية وترشيد الموارد الأرضية والأمن الغذائي الذاتي.

وترشيد الاستهلاك في الاحتياجات الثانوية وعدم الإسراف متأثران بالوضع والانكماش الاقتصادي، إثر انتشار فيروس كورونا وتغير اتجاه الاستهلاك المرتبط بثقافة المقدرة الشرائية.

من الآثار الإيجابية لكورونا تحسن الحياة الفطرية للحيوانات والنباتات لقلة النشاط البشري، لكن مدى استمرارية واستدامة هذه المظاهر مرهون بعودة الأنشطة البشرية، التي نأمل جميعا أن تعود بأسرع وقت ممكن لصالح البشرية.

محليا باشرت قوات الأمن البيئي بوازرة الداخلية أعمالها بضبط المخالفين، مما سيعزز المحافظة على مكونات الحياة الفطرية.

ماذا عن الآثار البيئية السلبية والمخاوف العديدة كتزايد الأخطار من أمراض حيوانية المنشأ؟ أسباب نشوء كورونا في حال اعتمادها تؤكد تزايد بعض الأخطار البيئية وما يخص انتقال الأمراض الحيوانية للبشر، سواء في الحياة البرية، أو التربية الحيوانية في المزارع التجارية.

ماذا عن الآثار السلبية كزيادة النفايات الطبية البلاستيكية الجديدة الكمامات والقفزات..إلخ؟ ماذا عن الآثار البيئية داخل المنازل؟ وارتفاع استهلاك المياه والكهرباء وازدياد النفايات المنزلية مع المكوث المتواصل بالمنزل، والصحة البيئية المنزلية وارتفاع أضرار تلوث الهواء الداخلي نتيجة قلة الوعي بها والممارسات الخاطئة كعدم تجديد الهواء والتدخين وازدياد ثاني أوكسيد الكربون والتلوث الكهرومغناطيسي وزيادة التعرض للأجهزة الالكترونية..إلخ؟

هنا نشير ولا نتعمق لضيق المقال، فالحديث عن البيئة متشابك الخيوط، حديث سهل ممتنع فالجميع له علاقة مباشرة وغير مباشرة بها، تتشابك فيها القضايا وتتعدد الأطراف.

عالميا يجري التركيز بيئيا على قضايا معينة دون غيرها، تنظر من زاوية ويُتغافل عن زوايا متعددة وعوامل تتكامل مع بعض لتصنع الصورة الكاملة.

من أكثر المواضيع المتداولة بيئيا انخفاض تلوث الهواء في المدن الصناعية، وتقليل انبعاثات الكربون بسبب كورونا ساهم في تحسين جودة الهواء وفق الأقمار الصناعية وبعض محطات الرصد الأرضية، ويرى البعض أن له أثرا على التغير المناخي، الأمر الذي يجب التفريق فيه بين الأثر المحدود لانخفاض تلوث الهواء في الفترة الزمنية القصيرة وبين قضية التغير المناخي العالمي التي تمتزج فيها العوامل الطبيعية والبشرية في تشكيلها على مدار سنوات طويلة.

وذهب بعض الباحثين والنشطاء إلى التحدث عن انخفاض درجات الحرارة بسبب كورونا وسقوط الأمطار لاختفاء الملوثات! لن أدخل في صحة ما يطرح بموضوع يحتاج التقصي العلمي، لكن ما الهدف من هذه القفزات التوقعية دون قرائن علمية ملموسة؟!

إن انبعاثات الغازات الدفيئة وقضايا الوقود الأحفوري وملوثاته تدار بسياسة انتقائية للأنشطة وقطاعات معينة، ويتغافل عن آثار قطاعات أخرى من الأنشطة الصناعية والتجارية لها آثارها البيئية.

مثلا الهواء النقي الذي تسعى له ألمانيا بدعم استبدال السيارات التقليدية بالسيارات الكهربائية التي تساهم في تحسين الهواء في شوارع ألمانيا، يكدس السيارات الصالحة في المستودعات، ويساهم في الاستهلاك غير الرشيد للموارد فتعود هذه السيارات في النهاية إلى البيئة كنفايات، ويسبب تأثيرات بيئية في مناطق أخرى بالعالم فيساهم في التصحر واستنزاف المياه، وذلك لتوفير الليثيوم الذي تحتاجه البطاريات الكهربائية. وفضلا عن أن خلايا البطاريات تطلق كثيرا من انبعاثات الكربون في أماكن تصنيعها في الصين وغيره. لسنا ضد أي قطاع ولكن الترويج العالمي وإشارة الاتهام لقطاعات دون قطاعات سياسة انتقائية تحسن البيئة في مكان وتدمره في آخر.

مثال آخر للقطاع الزراعي الحيواني، هناك دراسة لإحدى الجامعات بلندن لعلماء الغلاف الجوي، تعلل أن ارتفاع مستوى غاز الميثان في الغلاف الجوي سببه مصادر بيولوجية والمناطق الرطبة والساخنة والاستوائية وروث الأبقار!

وحسب بعض التقارير والدراسات فاستهلاك اللحوم وتربية الأبقار تسببا في تفوق انبعاثات غاز الميثان عن السيارات، وبغض النظر عن صحة هذه الدراسات أو دقتها والجدلية البحثية التي تدور لأهداف معينة. فإن الاستهلاك المتزايد للمزارع الحيوانية يؤدي بدوره لانبعاثات الغازات الدفيئة والأسمدة والمبيدات والهرمونات وتجريف الأشجار، وكلها عوامل بشرية تؤثر في التغير المناخي.

القضايا البيئية تفتقر للشمولية وللحديث بقية.

AlaLabani_1@