أحمد الهلالي

أدب العزل لا أدب العزلة!

الثلاثاء - 02 يونيو 2020

Tue - 02 Jun 2020

اختاروا له مسمى شاعريا جذابا (أدب العزلة)، فقد عرف عن مبدعين كبار اختيارهم للعزلة، فأنتجوا من خلالها آدابا ومعارف خالدة، ومنهم أبو العلاء المعري وكافكا ودينكسون وكثير غيرهم من أبناء الشرق والغرب، وهذا المسمى حفز كثيرين فانطلقت الوسوم، وتبارت النوافذ الرقمية في استقطاب الشعراء والمبدعين والكتاب، وهذا كله إيجابي ورائع، وربما خلق لبعض المبدعين والمتلقين جوا مائزا وجميلا، لكن السؤال: هل أنتج أدبا ومعارف مائزة؟

أتحدث في هذه المقالة عن نفسي، بوصفي منتميا إلى الثقافة بشكل أو بآخر، فمنذ إعلان الوباء، وتحول محاضراتي عبر تطبيق البلاك بورد، شعرت بمشاعر عميقة تغزو نفسي، ليس أقلها الخوف على نفسي وعلى أسرتي، وكانت هواجس أن أكون المسؤول عن نقل الوباء إليهم تسيطر على تفكيري، رغم محاولات التأقلم مع الأمر، والانشغال بطلابي وأسرتي ومزروعاتي المنزلية، لكني لم أجد للآداب والكتابة والقراءة موقعا في ذاتي، حتى لو اجتذبتني الإعلانات والدعوات، فإني أجد شيئا في أعماقي يصرفني عنها رغما عني، حتى انتابني ظن بوادر الاكتئاب.

جاءتني دعوة مشكورة من إحدى الصحف الكبرى ومن ناد أدبي أيضا لتسجيل مقطع أتحدث فيه عن العزلة، وجاءتني دعوات من أصدقاء لحضور أماس أدبية عبر تطبيقات الكترونية، لكن ذلك الشعور في أعماقي كان يصرفني عن كل هذا، وكنت أضغط على نفسي كثيرا من أجل الظهور بمظهر إيجابي، تجلى في مبادرة أدبي الطائف #المؤلف_السخي التي أطلقتها عبر مجلة فرقد الإبداعية، وكنت أعاني كثيرا في العمل عليها مع سكرتيرة تحرير المجلة الأستاذة خديجة إبراهيم، وأضغط على نفسي من أجل أن أقدم للناس شيئا نافعا.

لا أخفي سرا، أنني كنت أفرح كثيرا بالخروج من التفكير الجاد أو القراءة والكتابة أو متابعة برامج ثقافية تلفزيونية أو الكترونية، وأسعد حين تأتيني بنتي سارة بلعبة الورقة (سبعة الديمن) أو النزول إلى الفناء مع الأطفال والعناية بالمزروعات أو تأملها، أو الجلوس مع أبي، وكذلك اقتناص الفرص ومتابعة مئات الأعمال السينمائية والدرامية، من خلال الحساب الذي أهداه لي ابني محمد على موقع (نتفلكس).

لم يجتذبني الحديث عن أدب العزلة، فقد كنت أشعر في أعماقي أنه ليس كذلك، فهذه عزلة إجبارية، عزلة الخائف، المنتظر لبشارة زوال الخطر عن نفسه وأهله ووطنه والعالمين، وليست العزلة المنتجة، فكل أحاديث الناس من حولك عبر الإذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف تدور حول كورونا وأعداد المصابين والمتوفين واتهامات ترمب والصين ومنظمة الصحة العالمية، ومن كثر نقلي لأخبار كورونا إلى الوالد في اجتماع الأسرة، أصبحوا يغمزون في (جنابي المهاب) بشخصية محمد الكنهل في طاش ما طاش وهو يردد (ما دريتاه)، فأي عزلة وأي أدب سيكون، ونحن حقيقة في (عزل إجباري) لم نكن كأبي العلاء المعري وكافكا نتخذ العزلة خيارا، فالعزلة الحقيقية أن تكون ساكنا ومتأملا والعالم من حولك مائر صاخب، لا أن تكون في محبس، والناس والحياة مثلك محبوسون!

ولعلي أكون منصفا حين أرجو أن يتوقف الباحثون والمؤسسات الأكاديمية والثقافية أمام نتاج المبدعين في (أدب العزل)، وأن يتأملوا ملامح هذا الأدب، فهو مكمن لدراسات المقارنة بين نتاج المبدعين قبل وأثناء وبعد الجائحة، ومكمن حقيق بإعمال منهج الدراسات النفسية، واستجلاء صور نقدية مختلفة، تستحق النظر والتأمل، وأنا على ثقة بأن الدارسين سيخرجون بنتائج مهمة ومدهشة.

ahmad_helali@