المعري وهوميروس.. مكفوفان في دوامة الشعر

ليس جديدا القول إن إرادة الإنسان تتجاوز معضلة الإعاقة

ليس جديدا القول إن إرادة الإنسان تتجاوز معضلة الإعاقة

الاحد - 11 مايو 2014

Sun - 11 May 2014



ليس جديدا القول إن إرادة الإنسان تتجاوز معضلة الإعاقة. فالملكات تتكامل فيما بينها. غياب السمع، يعوضه نسبيا النظر واللمس وبقية الحواس الحية. الموسيقي العالمي بيتهوفن مثلا. غياب البصر أيضا، تعوضه الحواس كلها التي تدفع إلى أقاصي إمكاناتها. حالة طه حسين تمنحنا أكثر من فرصة لتأمل الظاهرة عن قرب. لكن الحالتين العظميين اللتين تخطتا الحدود المحلية أو القومية للذهاب بعيدا نحو المدى الإنساني، هما أهم ما يثير الإعجاب والتعجب، إذ وصلا إلى ما لم يصل إليه الإنسان الكامل الحواس. الشاعران العظيمان: أبو العلاء المعري الذي لم يمنعه فقدان البصر من أن يكون فيلسوفا وجوديا مهما، غيّر نظام التفكير، وشاعرا كبيرا منح القصيدة العربية والعالمية مساحات جديدة للإبداع. وناثرا ذهب بالتخييل إلى أقاصيه عدما كتب رسالة الغفران، التي كانت درسا في الشعرية والتأمل الفكري، من خلال رحلة معراجية صنف فيها الشعراء بحسب القيم الفنية التي أنتجوها. قبل أن يرحل كتابه هذا نحو ثقافات عالمية أخرى يتأثر بها شاعر إيطاليا الأكبر دانتي أليغري في كتابه: الكوميديا الإلهية، وهو عبارة رحلة ثقافية أدبية في العالم الآخر. الشاعر الثاني هو الشاعر الإغريقي العظيم هومير أو هوميروس صاحب أعظم وأطول الملاحم التي عرفتها البشرية الإلياذة والأوديسة. كان كفيفا ولكن هذا لم يمنعه من أن يضع ملمسا عالميا على ما كتبه من أشعار. تشكل الإلياذة والأوديسة بكل الموضوعات الأسطورية التي أثارتها، طفولة أوروبا الشعرية والأدبية، التي غيرت نظام الكتابة. كل ما جاء بعد ذلك من مكاسب أدبية بني بقوة على هذا الميراث الهوميري الإنساني الحي. نتساءل إذا لم تكن الإعاقة الظاهرة وسيلة عظيمة لتجاوز العادي، أي تحريك كل حواسنا الخاملة التي لا تشتغل إلا جزئيا، مكتفية إلا بالحد الأدنى؟