أحمد الهلالي

أسمع بالنفط ولا أعرفه!

الأربعاء - 20 مايو 2020

Wed - 20 May 2020

تعتمد بلادنا على النفط اعتمادا رئيسيا، وهو ثروة عظيمة منّ الله بها على هذه الأرض وأهلها، فبلادنا تمتلك أضخم مخزون استراتيجي لهذه الثروة، وهي من كبار مصدريه، ومصنعي مشتقاته في العالم، وإن تأثرت أسعاره في هذه الفترة بسبب الجائحة الكورونية إلا أنه سيعود إلى مجده، فلا غنى للبشرية عنه، ما دام هو المصدر الرئيس للطاقة.

حديثي ليس عن هذه السلعة الاستراتيجية بوصفها الاقتصادي، ولا الصناعي، وإنما سأتحدث عنها من جانب آخر، قادني إليه الحوار مع أبنائي ذات مساء، وكان الحديث عنه عجبا، فابنتي نورة خريجة قسم الكيمياء فتحت الحديث حول تخصصها حتى وصلنا النفط مع تساؤلات أخويها محمد وسعد، وتفاجأنا أننا ثقافيا وعلميا لا نعرف النفط، إلا كما يعرفه أي إنسان بعيد عن منابعه، فهو كما تعلمنا في المدرسة سائل أسود كثيف، رائحته كريهة، تكوّن في باطن الأرض من بقايا الكائنات الحية والنباتات من آلاف السنين!!

رجعت بالذاكرة إلى ما تعلمته في المدرسة عن النفط في مادتي العلوم والجغرافيا، فلم أتذكر أنني شاهدت النفط أو لمسته أو شممته، فسألت أبنائي وأجابوا بالنفي أيضا، وقالت نورة إنها درست مقررا كاملا في الجامعة عن النفط، لكنها لم تر النفط أو تلمسه على الإطلاق، فبدا لي الأمر غريبا جدا، فحياتنا كلها مركبة على هذا المنتج ولكننا لا نعرف عنه إلا كما يعرف أبناء الدول غير النفطية وربما أقل من بعضهم.

حقا، ما الذي يجعلنا نغفل النفط ثقافيا؟ وتعليميا وهو أساس لا يمكن إغفاله على الإطلاق، بل يجب أن تكون معرفتنا به أوسع من أي معرفة أخرى، ومن أي أحد آخر، من ناحية تكونه وأنواعه الطبيعية، وأنواعه الممزوجة التي لا نعرفها إلا بالاسم، فلو سألني أحد عن مزيج برنت أو العربي الخفيف أو العربي الثقيل، فلا أدري بماذا أجيبه، ناهيك عن معرفتنا بطرق استخراجه وتسويقه وتكريره وشحنه وتسويقه وعقوده، ومشتقاته والمنتجات البتروكيماوية وغيرها، والعديد من المسائل التي تغيب عن كثيرين مثلي.

يستطيع المرء أن يبحث في الأمر بكيفية مستقلة يثقف من خلالها ذاته، لكن في رأيي أن هذا لا يشبه التوجه الوطني إلى معرفة السعوديين بالسلعة التي تعتمد عليها حياتهم كليا، وهذا يتأتى حين تبادر وزارة التعليم - وهي قديرة - وتحت مظلتها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، مع وزارة الطاقة وشركة أرامكو والشركات البتروكيماوية الكبرى وغيرها، إلى العناية بهذا الموضوع، وتبادر إلى توفير النفط الخام بأنواعه الطبيعية والممزوجة في مدارس التعليم العام، وفي التخصصات العلمية في الجامعات، يعاينه الطلاب ويلمسوه حقيقة، ثم تتيحه في معارضها باستمرار.

ولا يقتصر الأمر عليه، بل أن تعمد إلى تصميم أنظمة تحاكي تكوّن النفط والتنقيب عنه واستخراجه وفصله عن المواد الأخرى كالماء والغاز والتربة والشوائب، وكذلك محاكاة التكرير، والمنتجات الأولية منه، والمنتجات البتروكيماوية المصنعة منه، ودخول مشتقاته مادة أساسية في العديد من الصناعية التحويلية، كالنسيجية والطبية والصناعات المختلفة، وكذلك كل ما له علاقة بالنفط، فنحن في حاجة إلى أن يدخل النفط في صميم ثقافتنا المعرفية ما دام هو الهيكل العظمي لاقتصادنا الوطني وقلبه النابض.

ahmad_helali@