محمد أحمد بابا

محطة المرض وركوب الأمل

الاثنين - 11 مايو 2020

Mon - 11 May 2020

معاذ الله تعالى أن نمل العافية ونكون كالذين (قالوا ربنا باعد بين أسفارنا) فمزقهم الله، لكن محطة المرض بكل أحوالها مجال حوض يرده الجميع مرورا بها طال ذاك المرور أو قصر.

وفي محطات المرض تتشكل العلل وترتسم المعاناة، ويختلف الواردون تعبيرا أو صبرا أو تصابرا، كما يختلف في ذلك الحال التداوي أو التعامل مع هذه العوارض.

والذي يميز محطة المرض أنها اضطرارية التوقف عندها شاء المريض أم أبى، وكذلك هي رصيف من مر به وأسرع اعتبر نفسه ناجيا، ومن بقي سأل الله الشفاء، ومن أطال سأل ربه الأجر، ومن انتقل منه للموت فأمره لربه.

لنخلص من ذلك إلى أن الاشتمال على المرض رباني الحدوث قدرا وجبرا، وهو رباني المكوث والتعامل شريعة وأمرا، وهو إنساني التعاطف رؤية وتفاعلا، وهو كذلك علمي البحث والتفتيش عن الدواء خلاصة جهد وتحصيل تفكير.

ومن في محطة المرض وقف اكتشف حقيقة قول ربه (وخلق الإنسان ضعيفا)، ومن ناجى ربه وهو مريض اطلع على حقيقة إيمان الأنبياء حين قال إبراهيم (وإذا مرضت فهو يشفين)، ومن صبر وامتثل وابتهل أدرك كنه اسم الله تعالى (الشافي)، فالمرض قاعة تعليم.

ولعل المرض سلاح تكسير مجاديف الغطرسة، وهو عصا تأديب المتكبرين، وهو كذلك آلة التذكير لمن قست قلوبهم، وهو تعطيل للسير الحياتي بامتياز في أمراض شتى لتكون العافية أعظم الأمنيات.

وفي محطة المرض منطقة لا ظل فيها حين يكون الألم عنوان التوقف والمكوث، فهناك تضيق الأرض بما رحبت وتعج في الإنسان ريح الضجر أو زوابع الحزن إلا أن يكون (صابرا نعم العبد إنه أواب) فيركب الأمل قطار نجاة.

وفي محطات الأمراض قاعات للأولياء والأنبياء، ففي المرض إذعان وخضوع إن حل في محطة المرض من اتقى وأصلح وأحسن، فهو محتسب واثق الرجاء في حسنات رب العالمين، حيث النص (أكثركم بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم).

ومحطة المرض على أطرافها عباد الرحمن الذين يواسون ويدعون ويمرضون ويساعدون ويعالجون، وما نعمة في الأمراض لمن اطلع عليها أكبر من سعي في علاج مريض ما استطاع الإنسان لذلك سبيلا، فأنات المرضى وتوجعاتهم فاتقة رَتْق جبال من الغفلة أو التحجر الإنساني، إلا من ابتلاه الله بغلظة هي بذاتها محطة مرض خطيرة.

وأهل المريض مرضى من شباك مفتوح على محطة المرض، وسلامة المريض وبرؤه في محطة المرض زغاريد حمد وشكر لله، وهو لبعضهم انطلاقة نحو خير، حيث عرف واختُبِر فنجح وسلم فلزِم.

وحينا تكون محطة المرض سجنا فيه كفارة ذنوب، لكنه مصيبة تستحق (إنا لله وإنا إليه راجعون) ليدخل الموجود فيه في قائمة تطالهم (صلوات من ربهم ورحمة).

والمرض استثناء يستحق التوقف والتدبر والتفكير، فاللهم إنا نسألك العافية ودوام العافية والشكر على العافية.

albabamohamad@