طلال الشريف

دعوة لعودة المعارضين

الاحد - 03 مايو 2020

Sun - 03 May 2020

المعارضة السياسية في نظم الحكم المعاصرة الديمقراطية وشبه الديمقراطية تتمثل في أحزاب المعارضة التي تتشكل في ضوء النظام السياسي وتلتزم به وتخضع للدستور، وتمارس دورها في ضوء الأطر الدستورية، وهدفها الرئيس الوصول للسلطة، وتتبع من أجل ذلك كل الوسائل في وجه الحكومة بما فيها توجيه الانتقادات وإثارة الرأي العام، باستثناء حمل السلاح.

والمعارضة السياسية في نظام الحكم الإسلامي - باعتباره نظاما شاملا للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة إطلاقا، بقدر ما تسعى إلى إعانة الحاكم أو ولي الأمر واستصلاحه عند وجود المخالفات الشرعية أو التقصير والخلل في الأمور الاجتهادية في مجال صنع السياسات وإدارة شؤون الدولة.

وهي على صورتين في نظام الحكم الإسلامي: المعارضة بالقوة والأصل فيها المنع بموجب النصوص الشرعية، قال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، وهي دون شك طاعة تبعية للأمراء والعلماء مشروطة بطاعتهم لله ورسوله، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام «من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني»، وقوله صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه ليس من أحد يفارقه شبرا إلا مات ميتة جاهلية». والصورة الثانية المعارضة السلمية، وهي مقيدة وحق مشروع من خلال فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن خلال نظام الشورى الذي يجري فيه تبادل وجهات نظر قد تنتهي بالاتفاق أو الاختلاف.

والمملكة العربية السعودية كدولة منذ تأسيسها قامت على كتاب الله وسنة رسوله، وهي تمثل النموذج الأفضل في الوقت المعاصر لنظام الحكم الإسلامي، فهي تقيم شرائع الله وحدوده ورعاية المقدسات الإسلامية، وسخرت كل مواردها لدعم القضايا العربية والإسلامية، وساهمت في المحافظة على استقرار العالم أجمع، وحققت للمواطن السعودي الحياة الكريمة التي يتمتع خلالها بالاستقرار واحترام حقوقه، وقدمت له الرعاية الكاملة من الأمن والتعليم والصحة، والعدالة الاجتماعية في توزيع المشروعات التنموية داخل المملكة، وتوفير وتكافؤ الفرص في الحصول على العمل، والمشاركة السياسية من خلال مجلس الشورى والمستشارين في إقرار القوانين والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسات المتعلقة بكل شؤون المملكة الداخلية والخارجية، والشفافية في تقييم أداء مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد.

والمعارضة السعودية في الخارج لا تخرج عن نوعين، هما المعارضة السلمية التي تنادي بالإصلاحات وتسمي نفسها بالمعارضة السياسية أو النشطاء أو الإصلاحيين. والمعارضة المسلحة التي اتخذت العنف وسيلتها الأساسية من خلال قيامها بكثير من العمليات الإرهابية لزعزعة أمن واستقرار المملكة، وراح ضحيتها العشرات من الأنفس البريئة فضلا عن الآثار المادية الكبيرة التي خلفتها أعمالهم الإرهابية، وهذه المعارضة المسلحة يرفضها الإسلام ويحاكم مرتكبيها وفق نصوص الشرعية، وهي ليست محل نقاشنا في هذا المقال.

وحديثنا هنا سيكون عن المعارضة السلمية في الخارج، فالمتابع لخطاب ونشاط هذه المعارضة يدرك بأنها تعيش أزمة فكر في رؤيتها وعلاقاتها بوطنها.

فهي ليست معارضة سياسية بمفهوم نظم الحكم المعاصرة الديمقراطية وشبه الديمقراطية، والتي يجب أن تتشكل في إطار النظام السياسي وداخل أوطانها، وهي ليست معارضة سياسية بمفهوم نظام الحكم الإسلامي القائم على طاعة ولي الأمر والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشورى والنصيحة للحاكم. وهي لا تملك هوية ولا رؤية واضحة، فتارة معارضة سياسية وتارة حركة حقوقية وأخرى مجموعة نشطاء، وقبلت أن تكون أداة لتنفيذ أجندات لدول خارجية لتتمكن من الإنفاق على نفسها وعلى مخططاتها ونشاطاتها، وتبعا لذلك تركزت أهدافها على تحقيق المصالح الشخصية لأفرادها بالدرجة الأولى والهجوم على رموز الدولة وقادتها، وتشويه واقع وطنهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واللعب على العواطف والمشاعر تحت شعارات خادعة تأرجحت بين تغيير نظام الحكم بشكل نهائي، وتغيير شكل الحكم من مطلق إلى دستوري، والمطالبة بحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية، وكأن المملكة تعيش في عصور الظلام.

وهي كذلك في ميزان النظام الأساسي للحكم بالمملكة لا تعد معارضة لعدم مشروعيتها قانونيا، وبعدها كل البعد عن مفهوم المعارضة السياسية الحقيقي في مضامين خطابها وبرامجها وأدواتها وتمويلها وشعاراتها الزائفة حول إنقاذ المجتمع من الحكومة، واتسم خطابها بالغوغائية والشخصانية واللا عقلانية والانتهازية المتعمدة في اصطياد مكامن الخلل في ممارسات الحكومة اليومية.

وقد وقعت في فخ استغلال خصوم الدولة لها للإساءة لوطنها، فلا يوجد دولة في العالم ولا وسيلة إعلامية تقدم الدعم لأي معارضة سياسية دون مقابل تحت أي زعم كان.

والأهم في كل ذلك أنها لا تتمتع بقبول في المجتمع، ولم يمنحها الشعب السعودي تفويضا للدفاع عنه، لأن الشعب السعودي في عنقه بيعة شرعية لولي الأمر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، يدرك معناها الشرعي ومآلاتها في الدنيا والآخرة، ويتمتع بكل حقوقه الطبيعية، ولديه الوعي الكافي بواقعه الاجتماعي والاقتصادي في ظل متابعته لواقع معظم شعوب العالم، ولديه ثقة مطلقة في قيادته وحكومته، ومؤمن بأنه لا توجد حكومة ملائكية في العالم، وكل الحكومات لديها من التقصير والإخفاقات الكثير في إدارة شؤونها.

لقد كشفت الأزمة العالمية الأخيرة لجائحة كورونا قيمة الأوطان وقيمة الحكومات الصادقة مع مواطنيها، وكشفت هشاشة النظم الديمقراطية وشبه الديمقراطية في مواجهة الجائحة، وسقطت وتعرت كثير من شعارات القوة والحرية والعدالة والمساواة واحترام الإنسان والحفاظ على سلامته، وضربت المملكة أروع المثل في رعاية مواطنيها في الداخل والخارج، وحتى المقيمين على أراضيها، وهيأت كل مواردها وإمكاناتها لتوفير الرعاية الصحية ومستلزماته اللازمة وقت الأزمات.

وهذه الأزمة كفيلة لكل ذي لب، ممن يدعون المعارضة السياسية أو الحقوقية أو النشطاء، من السعوديين في الخارج بمراجعة موقفهم من وطنهم وحكومتهم، وتحمل المسؤولية والمبادرة بالتخلي عن ممارساتهم من خارج وطنهم، وحماية أنفسهم من سماسرة السياسة الدولية. وإدراك قيمة وطنهم وحكومتهم وحجم الأخطاء الكبيرة التي ارتكبوها، والعودة إلى أحضان وطنهم وأهلهم، وممارسة حرية التعبير عن آرائهم في ضوء شريعتنا الإسلامية وفي إطار أنظمتنا الوطنية، والمساهمة الفعلية في نجاح تحولاتنا الوطنية العظيمة في السنوات الأخيرة، بما يعزز استقرار وطننا ويكبح جماح خصومنا والمتربصين بأمننا واستقرارنا وخيراتنا.

وليثقوا بأن أبواب وطنهم مفتوحة وقلوب قيادتهم رحيمة ومتسامحة متى ما أخلصوا النية وعجلوا باتخاذ قرار العودة بكل شجاعة، فوطننا غير كل الأوطان.

drAlshreefTalal@