محمد العطية

استراتيجية التغيير.. تغيرت!

الخميس - 30 أبريل 2020

Thu - 30 Apr 2020

يمكن تبسيط الخطة الاستراتيجية بأنها كيفية الانتقال من الواقع الحالي إلى واقع مستقبلي منشود أو هي خريطة إرشاد للوصول بين نقطتين.

إن هذا الانتقال في ذاته هو إحداث تغيير (Change)، كما أن الوسيلة القادرة على إحداث هذا التغيير هي تنفيذ المشاريع التي تحقق الأهداف الاستراتيجية.

لهذا عندما تنجز أي مشروع فأنت أنجزت التغيير المطلوب، وهذا يقودنا إلى فكر إداري تطبيقي عملي بعيدا عن الإدارة العامة وفلسفتها، وهو الفكر الاحترافي الإبداعي لإدارة المشاريع (Project Management Professional ).

والمشروع (Project) ما هو إلا جهد مؤقت له بداية ونهاية، لخلق منتج فريد أو خدمة أو نتيجة معينة، وتتنوع المشاريع، فالبناء مشروع والزواج مشروع وتطوير الأنظمة الإدارية والتقنية مشروع، واستحداث تطبيق جديد مشروع، وإعادة الهيكلة وهندسة الإجراءات مشروع، والعمل الاستشاري مشروع، وكل أنواع هذه المشاريع سوف تكون نتيجة إنجازها هي إحداث التغيير.

إن فكر إدارة المشاريع مبني على منهجية لدورة حياة كاملة للمشروع، تبدأ بدراسة مسوغات عمل المشروع (Business Case) ثم إعداد ميثاق المشروع (Project Charter) ثم التخطيط (Planning) والتنفيذ (Execution)، وانتهاء بالإغلاق (Closing)، ويصاحب كل هذه المراحل المراقبة والتحكم (Monitoring & Control) في أي تغيير في خطة المشروع طبقا للتعاقد.

إن عقود المشاريع الكبرى تمتد في الغالب ما بين سنة وثلاث سنوات، وسوف نلمس التغيير الحقيقي بعد نهاية المشروع، وحيث إن عالم اليوم في طبيعته متغير بشكل متسارع فإن الانتظار ثلاث سنوات لحصول التغيير قد يفاجئنا بأن مخرج المشروع أصبح قديما وخارج نطاق الزمن.

لهذا إن طول دورة حياة المشروع تعتمد على طبيعة المشروع نفسه، ويجب أن نعيد النظر في طبيعة التعاقد بحيث يمكننا استيعاب أي تغيير محوري يساهم في تحقيق الغرض الرئيس من المشروع أثناء مرحلة التنفيذ.

ولأن التغيير سمة من سمات العصر، فقد نشأت فكرة إدارة المشاريع المرنة «أجايل» (Agile Project Management ) والتي في طبيعتها تتفاعل مع التغيير المتسارع حتى تضمن أن المنتج النهائي هو الأحدث في وقته، وبالتالي أصبحت مراحل المشروع مقسمة إلى فترات قصيرة، تمتد من أسبوع إلى شهر حتى استكمال كل مراحل المشروع، وتطبق هذه المنهجية في الغالب في المشاريع التقنية ذات الطابع المتغير باستمرار، إلا أن هذه المنهجية بدأت تغزو أنواع المشاريع الأخرى لأنها تتفاعل مع التغيير المتسارع الذي يحقق التنافسية العالية، وقد دمج معهد الإدارة الأمريكية (PMI) كثيرا من أفكار الأجايل في دليل إدارة المشاريع (PMBOK).

إن من أهم عناصر إدارة المشروع هي إدارة أصحاب العلاقة بالمشروع ( Project Stakeholder Management ) ولأن العاملين في المنظمة التي ينفذ بها المشروع يعتبرون من الأشخاص الذين سيتأثرون بهذا التغيير، يجب أن يكونوا أحد مستهدفات التغيير ضمن أنشطة المشروع، ولا بد من تدريبهم وتمكينهم لتغيير الثقافة السائدة للمنظمة وتطبيق الإجراءات الجديدة، بل إن التركيز على إدارة التغيير الناتج من المشروع هو حجر الزاوية.

ولأن أي مشروع سوف ينتج عنه تغيير فإن إدارة التغيير يجب أن تكون أحد أنشطة المشروع ضمن دورة حياة المشروع، وبالتالي أقترح إضافة معرفة جديدة (Knowledge Area) تحت مسمى إدارة التغيير بالمشروع (Project Change Management) لتضمين التغيير نفسه في بنية المشروع ليصبح لدينا معرفة جديدة لا تتعلق بالتغيير في بنود التعاقد داخل المشروع، وإنما بمعالجة أثر التغيير على المنظمة والعاملين فيها، وكيفية التواصل الفعال معهم ودعمهم وإشراكهم ليتبنوا التغيير والتحكم في المقاومة الطبيعية للتغيير، وتضاف هذه المعرفة إلى دليل إدارة المشاريع (PMBOK) لتكون المعروفة رقم 11.

يجب أن نؤمن بأن هنالك مقاومة للتغيير، لكن لا بد أن نسعى إلى أن تكون أقل ما يمكن، فمن يقاوم التغيير سيتخلف عن الركب ويتقادم مع الزمن، ولعل قصة شركة نوكيا (Nokia) الرائدة في عالم الهواتف الذكية التي هيمنت على السوق العالمي لأكثر من جيل قادت خلاله البشر خطوة خطوة في طريق ثورة الاتصالات؛ أوضح مثال لمقاومي التغيير، حيث بدأت الشركات المنافسة عام 2000 في تصنيع الهواتف الذكية التي تعمل باللمس، بينما نوكيا كانت راضية عن نفسها وأدائها وتقاوم التغيير، لذا سيطرت الشركات الأخرى وتراجعت حصة نوكيا السوقية من 49.9% إلى 3% عام 2014، مما اضطر الشركة إلى تسريح موظفيها وإغلاق بعض مصانعها وبيع المتبقي، ولهذا فإن وجود كفاءة عالية في المنظمة تؤمن بالتغيير هي الاختلاف الرئيس بين المنظمات الناجحة والمنظمات الفاشلة.

كما أن بيئة الأعمال اليوم التي تعتمد على الابتكار والتطوير ملزمة بتبني التغيير المتسارع حتى لا تلاقي النتيجة الحتمية لمن قاوم التغيير، كذلك فإن بيئة الإدارة العامة لديها الخيار، إما الانكفاء على نفسها والعيش على الماضي أو الانفتاح على مواكبة عالم اليوم المتغير والعمل على التحسين المستمر.

وخلاصة القول، إن تطبيق منهجية إدارة المشاريع الاحترافية المدمجة التي تتبنى استراتيجية التغيير من خلال تنفيذ المشاريع، هي الحل لإحداث التغيير والتطوير في أي منظمة.

mattiah8@