خالد الحبشان

جائحة كورونا وآثارها على التعاقدات الإدارية

الثلاثاء - 28 أبريل 2020

Tue - 28 Apr 2020

نظرا للحديث والنقاش القانوني القائم حول اللغط بين القوة القاهرة والظروف الطارئة في الالتزامات التعاقدية، أكتب مقالي هذا في الحجر المنزلي الذي أقيم فيه تماشيا مع توجيهات الدولة حفظها الله، والتي أقرت أخيرا منع تجول لحماية المواطن والمقيم من الإصابة بهذا الفيروس، ونظرا للظروف الراهنة التي اجتاحت دول العالم بأسره من تفشي فيروس كورونا والآثار السلبية الناتجة عنها والصخب الدولي من عدم إيجاد حلول مشتركة لإيقاف هذا الوباء العالمي وما آلت إليه الأوضاع من خسائر بشرية، الأمر الذي دعا منظمة الصحة العالمية إلى تحذير الدول من سرعة انتشاره وحثها على القيام بالإجراءات الاحترازية لمكافحة الفيروس من عزل الناس بعضهم عن بعض.

ومن الآثار السلبية الأخرى التي نجمت عنه الكساد الاقتصادي والآثار السلبية التي ألمت به من وقف الاستيراد والتصدير بين دول العالم، وما سيترتب على العقود والاتفاقيات المبرمة بين الأطراف من شركات وأفراد من صعوبة تنفيذ الالتزامات التعاقدية في الوقت الراهن.

وهذا يجعلنا نتساءل: هل ما نمر به الآن يندرج تحت نظرية القوة القاهرة (Force Majeure) أو نظرية الظروف الطارئة (Emergency Circumstances)؟ وللإجابة عن ذلك لا بد أن نعرج على الفرق بين القوة القاهرة والظروف الطارئة في المقال.

عرفت هيئة التجارة العالمية ومراكز التحكيم التجاري الدولي القوة القاهرة بأنها "كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، يجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلا" . كما عرفها البعض بأنها "حادث غير ممكن توقعه، ويستحيل دفعه، ومن شانه أن يجعل تنفيذ العقد مستحيلا استحالة مطلقة، كقيام حرب غير متوقعة أو حصول فيضان عال غير متوقع أو العقد زلزال أو كارثة".

ولا بد من توفر ثلاثة شروط لكي تتحقق، وهي:

غير متوقع حدوثها، أن لا يمكن ردها، أن يتسبب الحادث في جعل تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة.

وعرف البعض الظروف الطارئة بأنها "الظروف التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين إرهاقا يهدده بخسارة فادحة مع إمكان التنفيذ رغم الإرهاق على ألا تكون نتيجة الحادث انقضاء الالتزام بل وجوب رده إلى الحد المعقول"، كما عرفت الظروف الطارئة بأنها "أي حدث يقع أو يمر على دولة ما، ويتعذر معه مواجهته باتخاذ القرارات الإدارية التقليدية، ويقضي معه اتخاذ قرارات أو إجراءات سريعة لتفادي أو مواجهة الأضرار التي قد تقع من جراء وقوع الحدث الطارئ".

وشروط تطبيقها:

أن يقع ظرف طارئ وخطير، يهدد سلامة البلاد. تناول أحكام الظروف الطارئة في نظام البلد. الإعلان أن ما يمر به البلد هو ظروف طارئة. إعلان الإجراءات التي ستتم بها مواجهة الظروف الطارئة.

وفي ضوء ما سبق يستلزم لتبني نظرية الظروف الطارئة في تنفيذ تعاقداتها أن تكون مرهقة تفضي إلى خسائر فادحه للمدين، ولكن لا ترقي لحد الاستحالة في التنفيذ وهنا تتوزع الأعباء الخارجة عن التعاقد بين الدائن والمدي في هذه الحالة، أما بالنسبة لنظرية القوة القاهرة فان الوفاء بالالتزامات التعاقدية يكون مستحيلا فيفضي إلى انقضاء الالتزام التعاقدي وسحب الأثر القانوني الناتج عنه لعدم إتمام العقد ويتحمل الدائن الآثار المترتبة على ذلك.

وحيث عالج المشرع مثل هذه الحالات في نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية في تنفيذ الالتزامات التعاقدية نتيجة للظروفها:

حيث نصت المادة (74) من النظام "يكون تمديد العقد والإعفاء من الغرامة في الحالات الآتية: ومنها إذا كان التأخير يعود إلى الجهة الحكومية أو ظروف طارئة". كما أشارة المادة (133) من اللائحة التنفيذية للنظام بانه " للجهة الحكومية إنهاء العقد بالاتفاق بينها وبين المتعاقد في الحالات التالية، ومنها إذا أصبح تنفيذ الأعمال مستحيلا لوجود قوة قاهرة".

وصدرت أحكام قضائية بأن الأوبئة والأمراض تعتبر من الظروف الطارئة في الالتزامات التعاقدية صدر حكم قضائي (رقم القضية 1885/1/ق لعام 1425هـ قضى بأن ( طلبت الشركة المدعية إلزام الجهة المدعى عليها برد المبلغ الذي حسمته منها مقابل غرامات التأخير والإشراف عن العقد المبرم بينهما لإنشاء مدرسة –الشركة تأخرت في تنفيذ المشروع مدة (140) يوما عن الميعاد المحدد بالعقد – الجهة تأخرت في صرف معظم المستخلصات مما كان له أثره المباشر في سير العمل وتنفيذه في الوقت المحدد – أداء العمل أصبح يسير ببطء بسبب انتشار مرض حمى الوادي المتصدع في موقع العمل، مما أدى لعدم انتظام وتواجد العمالة في الموقع - ظهور الأوبئة والأمراض يعد من قبيل الظروف الطارئة التي يعذر بها المقاول وينبغي أن تؤخذ في حسبان الجهة الإدارية عند نظرها في مدة تأخير المقاول من عدمه - أثر ذلك: إلزام الجهة بأن ترد للشركة المدعية المبلغ الذي حسمته من مستحقاتها مقابل غرامات التأخير والإشراف).

وأخيرا، فإن هذا المقال يوضح بشكل موجز الفرق بين القوة القاهرة والظروف الطارئة، وأوجه تطبيقها في ظل وجود الأزمات الطبيعية أو الناشئة وعدم التوسع فيها أو الخلط بينها.