عبدالله علي بانخر

قراءة في المشهد الإعلاني في 2020 (ما قبل وأثناء وبعد كورونا) نظرة سريعة لطائر محلق

الاحد - 26 أبريل 2020

Sun - 26 Apr 2020

المتابع للمشهد الإعلاني العالمي يجده في أوج قمته في نهاية عام 2019، بإجمالي إنفاق يصل تقديرا إلى 596 مليار دولار أمريكي، بتوقع سابق يصل إلى قرابة 600 مليار دولار أمريكي عام 2020، وفقا لتقرير زينث العام الماضي. وقبل الدخول إلى العام الحالي لعله من المفيد الوقوف على أبرز ملامح ذلك المشهد الإعلاني حتى نهاية 2019.

يبرز التلفزيون بكونه المتحكم الرئيس في نصيب الأسد من هذا الإنفاق ليصل إلى 39% (بتراجع نحو 1%لصالح الإنترنت أو الوسائط الرقمية بعيدا على الشاشة الفضية في المنازل). وتتنافس بقوة على المرتبتين الثانية والثالثة (أو ربما الثانية مكرر) كل من الوسائط الرقمية على الإنترنت وكذلك إعلانات الطرق بنسب في حدود 20%من الإنفاق العالمي.

وقد شهدت السنوات الثلاث الأخيرة تراجعا ملحوظا في الصحف (جرائد ومجلات ورقية)، لتحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة حول حدود 10 %، نتيجة لتراجع التوزيع الورقي وقلة اقتصاديات التوزيع الرقمي وبالتالي الدخل الإعلاني.

وتظل النسبة الكبرى أيضا من الإنفاق العالمي المتجاوز نصف التريليون دولار أمريكي من خلال الولايات المتحدة الأمريكية أو شركات عالمية مركزها الرئيس في أمريكا، بنسبة تصل إلى 40%، رغم الاحتفاظ بنسبة الثلث تقريبا من الاقتصاد العالمي. ولعله من نافلة القول هنا أن نذكر أن الوكالات الإعلانية الكبرى بمجموعاتها الرئيسة الأربع تتحكم في نحو 80%من الإنفاق العالمي لكبار المعلنين في العالم.

جميع ما تقدم كان يمثل الوضع الإعلاني في العالم على مشارف أو بدايات العام الحالي 2020.

ومع إرهاصات العام الجديد التي كانت حبلى بالتفاؤل والأمل كعادة المسوقين والمروجين للمنتجات التجارية والعاملين في مجال الإعلان تحديدا، والحمد لله، فقد بدأ العام الجديد 2020 مع عدد من المفاجآت غير السارة، ليس بسبب كورونا فقط، وإن كان هو المحرك الرئيس في تراجع أو انكماش الاقتصاد العالمي عموما بنسب مرتفعة وغير متوقعة التحسن سريعا. وللمعلومية وربما يكون أيضا من حسن الطالع أن الربع الأول من العام عادة ما يكون أقل فصول العام إنفاقا للإعلان، وإن انعكس ذلك بالطبع عن النصف الأول من العام بأكمله أو ربما العام بأسره (عام كورونا).

وتشير أغلب التوقعات حتى الآن إلى تراجع الإنفاق الإعلاني العالمي بنسب تصل إلى 30%عما كان متوقعا لهذا العام، كما تشير أغلب المؤشرات إلى أن التلفزيونات حول العالم ربما تكون الرابح الرئيس في هذه الأزمة، رغم تراجع الوضع الاقتصادي عموما، وذلك لوجود الحجر المنزلي المعمول به في أغلب أنحاء العالم. كما أن إعلانات الطرق ربما تكون الخاسر الأول من هذا الحظر، خاصة أمام منافسة أشد مع التلفزيون والإنترنت، وما تحمله من وسائط رقمية أخرى تأتي في المرتبة الثانية في الخسارة بعد التلفزيون في هذه الأزمة.

وإذا كان فيما تقدم استعراض لأبرز ملامح المشهد العالمي، فكيف هو الحال بالنسبة للوضع الإقليمي في المنطقة العربية (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA أو ما اصطلح عليه عبر الدول العربية Pan Arab)؟! مع الأسف الشديد فإن الوضع ربما يكون أقل إشراقا، خاصة أن إجمالي الإنفاق الإعلاني العربي في الأساس متدن، ولا يمثل أي مقاربة مع اقتصاديات المنطقة لأسباب عديده، لعل من أهمها غياب الاهتمام بالنظرة التسويقية الاستراتيجية، وعدم توفر معلومات تسويقية وإعلانية واضحة ومحددة ومدققة ومعتمدة.

وتستمر المعاناة في السوق الإعلاني العربي رغم ضآلة الإنفاق أصلا، والتراجع الاقتصادي الآخذ في الزيادة حاليا وعدم تحسن آليات سوق الإعلان في العالم العربي على المدى القصير وربما المتوسط.

إن إجمالي الإنفاق العربي منقسم ما بين وسائل عبر الدول العربية (Pan Arab) ليقارب 2.5 %تقريبا من الإنفاق العالمي، موزعة إلى 1.5%للوسائل المحلية العربية بإجمالي قد يصل تقديريا إلى حدود 9 مليارات دولار أمريكي، وتقريبا 1%للوسائل عبر الدول العربية، بإجمالي قد يصل تقديريا لحدود 6 مليارات دولار أمريكي.

ويتسيد التلفزيون كل الوسائل الإعلانية في تقديرات الإنفاق بنسب تتجاوز أكثر من ثلث الإنفاق الإعلاني أي في حدود 35%تقريبا. وهذا بالطبع يتماشى مع الوضع العالمي، وإن قلت النسبة كميا بما يزيد على 5 %تقريبا. علما أن التلفزيونات تمثل الغالبية العظمى بما يصل إلى ما يزيد على 95%من إجمالي الإنفاق على الوسائل عبر الدول العربية (أغلبها استثمارات سعودية قوية مثل مجموعة إم بي سي ومجموعة روتانا وكذلك المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق). علما أن هذه الاستثمارات موجهة في المقام الأول وبنسبة لا تقل عن 90 %إلى السوق السعودي. ولا يمكن إغفال ذلك الأمر في اقتصاديات السوق المحلي السعودي بديهيا على الرغم من تصنيفها عربيا فقط وليس سعوديا.

وعلى الرغم من النشاط الفعال لإعلانات الطرق في الاتجاه الإيجابي في أواخر العام الماضي، إلا أنها تأثرت كثيرا في الربع الأول من 2020 كأول المتضررين من أزمة كورونا، وانخفاض يتوقع أن يصل إلى 30%خلال النصف الأول من العام، خاصة إذا غابت إعلانات الطرق بالاستفادة من شهر رمضان المبارك الذي كان يمثل الذروة لها.

ويستمر التنافس الرقمي على الإنترنت وإعلانات الطرق على المرتبتين الثانية والثالثة في العالم العربي. ولعل الصحف (جرائد ومجلات) أكثر المتضررين عربيا على الرغم من توقع ذلك منذ سنوات عدة، إلا أن الرقمي منها بدأ ينمو بقوة لينافس على المرتبة الثالثة قريبا.

ولا زلنا في المنطقة العربية والمشهد الإعلاني للوسائل المحلية، حيث تتسيد منذ فترة الإمارات ثم مصر (بعد تعافيها من آثار الربيع العربي) ثم السعودية. وتشكل هذه الدول الثلاث مجتمعة ما تصل قيمته إلى 80%تقريبا من إجمالي الإنفاق التقديري في المنطقة العربية.

وتجدر الإشارة هنا مرارا وتكرارا إلى أن السوق السعودي يظل وضعه استثنائيا، لكون أغلب الوسائل عبر الدول العربية موجهة في الأساس إليه، علاوة على كونها أيضا استثمارات سعودية عربية، مما يجعل السوق السعودي بشقيه المحلي والإقليمي يمثل السوق الأكبر إعلانيا في العالم العربي.

ويبقى الأمل مطلا على السوق الإعلاني السعودي لأسباب عديدة، أهمها متانة وقوة الاقتصاد السعودي بشكل عام، خاصة من التنامي المتزايد لزيادة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي السعودي ضمن رؤية المملكة في 2030. آملين لقطاع الخدمات على وجه التحديد مزيدا من النمو والازدهار ليواكب ذلك الخروج من نفق أزمة كورنا في منتصف هذا العام إن شاء الله.

والسيناريوهات بعد كورونا متعددة، ولكن من المتوقع أن تزداد وسائل الإعلام والإعلان رسوخا في تلبية احتياجات ورغبات المنطقة العربية. ونسأل الله العلي القدير من سرعة الخروج من هذه الأزمة أو الجائحة التي من المأمول أن تحمل في طياتها عديدا من الفرص، خاصة إذا ما تم التغلب على التحديات المقبلة. وسيبقي التفاؤل ديدن المسوقين والمروجين للمنتجات والماركات والمعلنين.