فهد عبدالله

«لا تطير في العجة»

الخميس - 16 أبريل 2020

Thu - 16 Apr 2020

عندما تستمع لرأي تجاه قضية معينة ويجري سرد كل الأحاجي لإقناع الآخرين به، وتكتشف بطريقة ما أن هذا الرأي ما كان ليكون لولا وجود - مثلا - انتماء معين أو مصلحة شخصية أو قناعة ذات نظرة أحادية غير مكتملة الزوايا، عندها سيتأكد لك أهمية الفرز للآراء والأطروحات، ومدى صحة مقدماتها ودوافعها، وإن لم تستطع على عمليات الفرز ستضبط على الأقل معيارية الأسئلة التي تحاجج هذا الرأي لتتأكد من صحته أو خطئه بشكل كلي أو نسبي.

وبالتالي سيتكون لديك شيء من الهدوء وعدم الاستعجال أو بما نقوله في لغة الشارع (لا تطير في العجة) لكون التجارب الكثيرة والمثيرة التي نشاهدها في اليوم والليلة تكاثرت فيها الدروس المستخلصة بأن العشرات من المعلومات والآراء التي طرحت في الأمس القريب نكتشف عدم صوابيتها اليوم، وما يقال اليوم قد نكتشف خطأه اليوم أو غدا، وما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي من هذا ليس ببعيد.

وقد يدرك الإنسان بطبيعته المحدودة في التعلم والإدراك أنه لا يستطيع أن يجلي ويمسح ذلك الغبار عن كل معلومة ورأي تقع عينه أو أذنه عليه، ولكن حينها ستكبر لديه خانة الحياد في تصنيف تلك المعلومات والآراء الواردة، بل وبدرجة أفضل من ذلك، ستجد دائرة الاهتمام لديه تتوجه فقط وقدر الاستطاعة نحو المعلومات والآراء التي يهتم بها، سواء لاهتمام معرفي أو تخصصي.

والانتماء والمصلحة الشخصية والرأي ذو النظرة الأحادية كثيرا ما تعصف بالرأي، فتجد مثلا معلومة واحدة صحيحة وحولها عشرات الآراء التي تحاكمها محاكمات غير منطقية، وفقا لتلك للأسباب الثلاثية للرأي المعصوف. وهذا الأمر شائع والحقيقة ليس بالأمر السهل أن تتفكك العلاقة بين الرأي وتلك الأسباب، لكن في مرحلة نضج معينة يدرك الإنسان أن الرأي قد تجترحه الأهواء وعدم إمكانية التجرد منها، فيتيقن عندها من أهمية تناول الرأي بشكل هادئ، سواء كان في طرح الرأي أو الاستماع إليه حتى مع وجود الأسباب الثلاثة.

القناعة بالرأي مع وجود الأسباب الثلاثة تعتبر من جملة القصور البشري الذي يعترينا، وإدراك ذلك يجعل من الإنسان في حالة من الترقي أولا لمعرفة أنه يمر بهذا القصور، ولا يمكن لمشكلة أيا كانت وتريد لها الحل وهي غير معروفة، والأمر الثاني أنك وضعت قدما على طريق تحسين الطريقة الإدراكية التي تحتويك، وكلما تقدمت خطوة في ذلك ستذهلك النتائج من خلال التجرد شيئا فشيئا من الأسباب الثلاثة، وكذلك رحابة ميدان الأفكار والآراء والمعلومات الأصيلة غير الموجهة.

العقل والتفكر هبة الله للإنسان الذي كرمه على سائر المخلوقات، فتلك السياجات التي تكبله بطريقة محدودة وغير موضوعية وغير متجردة، لا بد لها أن تتبدل وتتغير ويتحقق ذلك التكريم الإلهي في أجمل صوره له، من خلال الاستعداد النفسي أولا لمعرفة مواضع القصور في دواخلنا، ومن ثم وضع مشارط التجريح على مواضع الألم في دواخلنا وتصحيحها، والأهم في هذه العملية أن تكون مستمرة ما حيينا.

fahdabdullahz@