طلال الشريف

مناقشة الأفكار لا الشخوص

الاثنين - 30 مارس 2020

Mon - 30 Mar 2020

التجربة الشورية عندنا تختلف عن أي تجربة شورية أخرى عبر التاريخ، لأنها جمعت بين الشورى بمفهومها الإسلامي المتمثل في الاستعانة بأهل الحل والعقد والحكمة في إدارة شؤون الحكم وبين الديمقراطية في الحوار والمناقشة وتشكيل اللجان المتخصصة واتخاذ القرارات بالأغلبية. وتنتظم ممارسات الشورى بشكل منسجم في دورة إدارية بين الملك بصفته كملك ورئيس لمجلس الوزراء ومجلس الشورى والقطاعات الحكومية والخاصة والخيرية. ولو تأملنا في مهام مجلس الشورى لدينا وتطوراته حتى دورته السابعة لوجدنا أنها أقرب لمهام البرلمانات الحديثة من مهام الشورى، فهي تتمثل في إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة ومناقشة الخطط العامة للتنمية ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وتفسير الأنظمة والتشريعات القائمة ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح الأنظمة الجديدة أو تعديل الأنظمة القائمة ودعوة المسؤولين عند الحاجة لمناقشتهم حول القضايا التي تخص قطاعاتهم.

واختيار أعضاء مجلس الشورى يتم وفق معايير موضوعية من قبل الملك أهمها الكفاءة والتأهيل العلمي والخبرة المتراكمة وحتى التمثيل الجغرافي، بدليل أنه مجلس تكنوقراط في غالبه متنوع التخصصات والمؤهلات والخبرات ومن مختلف مناطق المملكة، فضلا عن إتاحة الفرصة لمشاركة المرأة في عضوية المجلس في إطار توجه بلادنا نحو تمكينها في مختلف قطاعات الدولة، وكذلك يؤدي أعضاء المجلس القسم أمام الملك على الأمانة في تقديم المشورة وحفظ المصالح الوطنية.

والحقيقية أن المنصف يرى أن المجلس قدم إسهامات كبيرة جدا في المشاركة بإدارة الحكم في بلادنا في ضوء طبيعة عمل المجلس، مهما اتفقنا أو اختلفنا مع بعض قرارات المجلس أو مع بعض أعضائه، واتسمت ممارساته بالد يمقراطية الحقيقية من خلال إدارة أعماله بواسطة اللجان المتخصصة في المجلس وقراراته التي تتخذ بالأغلبية على مختلف المستويات.

إلا أن المتابع لردود الأفعال على بعض قرارات المجلس يلاحظ عدم رضا بعض النخب الثقافية والمواطنين عن قرارات المجلس، وهو حق مشروع لهم إذا كان مبنيا على الحقائق ومدعوما بالأدلة والبراهين، وليس قائما على التشكيك في كفاءاتهم أو انتماءاتهم أو أصولهم، واتهامهم بتهم عديدة كعدم حرصهم على مصالح المواطنين وتطلعاتهم، عدم قدرتهم على مواكبة التحولات الوطنية، وقوفهم ضد المواطن، وقوفهم ضد قضايا المرأة، اهتمامهم بمصالحهم الشخصية، إلخ.

وهذا تشكيك في غير محله واتهامات لا سند لها في الواقع، مما يؤثر على مسيرة المجلس وسمعته ونزاهته ودوره الكبير في رشد القرار الوطني على وجه العموم، بل طالب البعض بأن يكون اختيار أعضاء مجلس الشورى بالانتخابات، وكأن الانتخابات تأتي دائما بالأفضل،

وهو ليس بالضرورة، بل غالبا يعتريها طغيان المصالح الفئوية والشخصية والمناطقية والقبلية على المصالح الوطنية، كما عايشناه في فترة انتخابات وزارة الشؤون البلدية والقروية.

والمؤسف جدا أن يأتي انتقاد أعضاء المجلس والانتقاص من دورهم من أحد أعضائه على وسائل التواصل الاجتماعي وليس تحت قبة الشورى، في مزايدة لا مبرر لها على الإطلاق، وبشكل يوحي بأن المجلس صوري ولا قيمة له، بل ربما يعكس هذا النقد صورة غير جيدة عن قيادتنا في احترامها لكياناتها ولمؤسساتها وهيئاتها الوطنية، ويسيء لزملائه أعضاء الشورى ولمكانتهم العلمية والعملية.

ولضمان استمرار نجاحات مجلس الشورى وتطوير مهامه وأدواره والمحافظة على ثقة المجتمع السعودي في ممارساته، فإن واجب مجلس الشورى حماية أعضائه والمحافظة على مكانتهم من الاتهامات واتخاذ الإجراءات الرسمية الكفيلة بذلك، والعمل على تعزيز علاقته بالمجتمع من الناحية الإعلامية لإبراز إنجازاته وممارساته في مناقشة الموضوعات المطروحة عليه والمقترحات والمبادرات المرفوعة منه، وفتح أبوابه للمواطنين والنخب الثقافية على وجه الخصوص بشكل أكبر لحضور جلساته وأعمال لجانه.

فالمجلس بحكم الكفاءات والخبرات الموجودة فيه وطبيعة عمله يمكن أن يكون أنموذجا في اكتساب الممارسات الديمقراطية المنضبطة، وواجبنا كمواطنين من مختلف الفئات، خاصة النخب الثقافية ذات التأثير الاجتماعي الكبير على الرأي العام المحافظة على المجلس ككيان مهم في إدارة الدولة وشؤون الحكم، واحترام أعضائه ومناقشة مشاريعهم وأفكارهم وآرائهم في ذاتها وليس في شخوصهم.

@drAlshreefTalal