مرزوق تنباك

وباء الاقتصاد أخطر

الثلاثاء - 10 مارس 2020

Tue - 10 Mar 2020

يسود العالم هذه الأيام ذعر ورعب لم يحدث مثلهما من قبل، وكأن الناس لم يواجهوا في حياتهم وفي تاريخهم الطويل مثل ما يواجهون من وباء كورونا المستجد وبلائه هذه الأيام، وهو انتشار بدأ بأكبر تجمع بشري على الكرة الأرضية الصين، ثم أصبح في مدة وجيزة في كل بلد حالة منه أو حالات، وليس ما حدث شيئا مستبعد حدوثه، إذ في القديم كانت تحدث الحروب المدمرة بين دولة وأخرى أو حتى بين اتحاد دول ودول مثلها، ويشتد البلاء وتقوم الحروب الطاحنة وتصاحبها الأمراض والأوبئة والكوارث الطبيعية ويموت فيها المئات وربما الملايين، مثلما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية وما حصدتا من الأنفس وما سببتا من الكساد في العالم حينذاك.

ومع ذلك كان هناك مساحة من الأرض لم تصلها تلك الحروب وبقيت بعيدة لم تسمع بها ولم تعرفها، بمعنى أنه بقي جزء من سكان المعمورة آمنين مطمئنين لا يعرفون ما حدث لغيرهم، وأمر عادي أن تحل المصائب ويحل الخوف في جزء من الأرض حتى ولو كان غالبا كما كان في تلكما الحربين المشار إليهما في صدر هذه الكلمة، ويبقى جزء لو كان صغيرا يعيش حياته الطبيعية.

أما أن يحدث في غضون أيام قلائل وباء شامل ويصبح العالم كله بلا استثناء في بره وبحره وفي أرضه وسمائه محل رعب وهلع يعم ولا يستثني دولة ولا أرضا ولا ينجو أحد ولا بلد منه، وتتقطع السبل بالناس في مشارق الأرض ومغاربها، وينهار الاقتصاد، ويحدث الإفلاس للبنوك والمؤسسات المالية وتتوقف الاتصالات والمواصلات، وتعزل المدن وتعطل الأعمال والمدارس والجامعات ويحدث كل ذلك في أيام معدودات؛ فهذا ما لم يحصل مثله من قبل.

مرض كان بالإمكان أن يحدث في جزء من العالم وينتهي حيث هو ولا يعلم به غير ذلك الجزء الذي أصيب، وتسير الأمور على طبيعتها، مع أن المرض الطارئ ليس من الخطورة التي قد تسببها بعض الأمراض التقليدية التي كانت تفتك بالناس وتفنى بسببها أجيال وتخلو مدن من سكانها.

أما ما يحدث من هلع في العالم اليوم بسبب انتشار فايرس كورونا الجديد فهو شيء غير مبرر، وليس ذلك تقليلا من خطورة المرض وانتشاره، ولا دعوة إلى إهمال طرق الوقاية التي يجب أن تتخذ بكل الاحتياط والحذر، لكن ليس بهذا الرعب والمبالغة في الحذر وتقطع السبيل في المسافرين وحجز الناس في أماكنهم والإضرار بالاقتصاد العالمي.

ومرض الاقتصاد هو القاتل الأكبر، والارتباك الدولي سبب أزمة على كل المستويات، وعطل حتى التفكير والإدراك، الحذر واجب واتخاذ الاحتياط كذلك ومعالجة الأمر بحدوده المقبولة هو ما يجب أن يتخذ في مواجهة انتشار المرض اليوم. لكن مع تقويم الخطر الحقيقي للمرض وخطورته، وتخفيف حدة الهلع الذي هو بحد ذاته مرض نفسي ضار مثلما المرض ضار أيضا. والأهم أن آثار الخوف أصابت الاقتصاد في مقتل، وسببت أضرارا اقتصادية بالغة الخطورة عمت العالم كله وسيزول المرض بقدرة الله، ولكن ستبقى آثاره الاقتصادية زمنا طويلا قد لا يتعافى منها اقتصاد العالم إلا بعد سنوات طوال، وقد تكون آثاره وتدميره أكبر خطر من كورونا المستجد.

الاقتصاد عصب الحياة، والعطب الذي أصابه قاتل لمستقبل المجتمع الإنساني ومستقبل الأجيال ولا ينجو منه أحد، والتعافي منه يحتاج أضعاف الوقت الذي سيتعافى الناس فيه من مرض كورونا، وأضعاف الخطر الذي يشكله المرض نفسه على المستقبل.

Mtenback@