ريم منصور

سيسيولوجيا الأقاليم السعودية

الأربعاء - 04 مارس 2020

Wed - 04 Mar 2020

تزخر بلادي الحبيبة بتكوين بديع للنسيج الاجتماعي، يظهر روعة الاندماج رغم التنوع الثقافي بجميع أشكاله، الأمر المعجز الذي كون من المجتمع السعودي لُحمة تكاملية يظهر اختلاف الطبيعة البشرية فيها، إثر التأثير الأيكولوجي الذي يتشكل في صنع الاختلافات البيئية والبيولوجية أحيانا.

ووفقا للنظرية الجغرافية التي شاعت منذ قديم الزمن (هنتجبون 1965) واستخدمت في تفسير التغير بين المجتمعات القديمة، وكانت وظيفتها محاولة تفسير تغير الإنسان والاختلاف بين البشر والتكوين الثقافي لهم عن طريق البيئة والمناخ الذي يعيش الإنسان فيه؛ يُعتقد أن الجغرافيا لها دور في تطور البشر وحركة إنتاجهم، وتكوينهم الثقافي، وقد أوجدت هذه النظرية عديدا من الفروقات بين المناطق الحارة والباردة، وقد أشار لهذا (ابن خلدون) في تحليله للطبيعة الثقافة البشرية.

وقد نجد تقاربا مع الواقع في النظرية الجغرافية، ففي الأماكن الجافة في مجتمعاتنا السعودية مثل منطقة نجد، نجِد أن الناس أشد خشونة وصلابة وجدية في تعاملاتهم، والتمسك بالعادات والتقاليد المأثورة، وقد فسر ذلك بحسب النظرية الجغرافية بتأثير الجو الحار على المنطقة وطبيعة الأرض الصخرية.

وفي المناطق الطرية والرطبة ذات الرياح الساحلية، أو المسطحات الخضراء مثل الحجاز والجنوب وبعض من مناطق المنطقة الشرقية، نجدهم هيني الطبع والقبول للمتغيرات من حولهم، ونجد أن طابع الناس في تلك الأماكن يميل إلى حُب الاستمتاع بالطقوس الاجتماعية كطقوس الزواج مثلا التي تتخطى ليلة الفرح إلى ليال أخرى، كليلة الحناء والخطوبة والملكة ويوم توديع العزوبية، فنجد لديهم عددا من أشكال الفنون الفولكلورية والرقصات الشعبية، والتي يرتدي فيها الجنسان عديدا من أشكال الملابس الملونة، أو يتقلدون فيها الورد والفل والريحان، ويدخلون المزامير على ضرب الدفوف لتشكيل الفنون الشعبية بمسمياتها المختلفة.

وأحيانا يكون الاختلاف في طبيعة السكان بحسب اختلاف الطبيعة الجغرافية الواحدة، مثلا: نجد أن سكان منطقة القصيم مختلفون من ناحية القبول للتغير الاجتماعي وطريقة تعاملهم معه، فسكان مدينة عنيزة يختلفون عن سكان مدينة بريدة، ونجد البعض منهم يحبون فنون السامري والشيلات كإحدى صور الثقافة القديمة لديهم، وبعضهم الآخر يلتزم الطابع الديني المتشدد.

وكذلك في منطقة الحجاز نفسها يختلف سكان مدينة جدة أو الطائف عن سكان المدينة المنورة في العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية، وذلك لطبيعة البلد الباردة أو شديدة الحرارة، من الساحلية للجبلية.

ومما أشرنا إليه نجد وضوحا للتباين السكاني ومناطق السكن، وكذلك للمتغيرات الطارئة على المجتمعات، إثر الهجرة والتحضر، والتنقل السياحي الذي يحدث تغيرا في السلوك والطبيعة والأفكار والأحداث المخططة للحياة الخاصة والمجتمعية.

وقد تتأثر الأقاليم السعودية بالمحددات الثقافية السائدة، والتي من أهم خصائصها أنها منتج إنساني للجماعات، يشير إلى المقاربات الأنثروبلوجية والأيديولوجية، ويشكل معطيات البيئة بكل أبعادها، مثل: المتغيرات الاقتصادية والسياسية والبيئية والتاريخية، وهي إنتاج فكري سيسيولوجي للماضي وللحاضر والمستقبل.

كما تم وصفها عن طريق النظم الاجتماعية التي من أهمها النظام الأسري والتربوي والديني والأخلاقي، كذلك المتغيرات المعنوية واللغوية، والاقتصادية والقانونية، والسياسية، وسلوك التنشئة الأسرية التي يكتسبها الفرد من ذويه.

والثقافة تنتقل وتتطور بشكل دائم وتنتشر بين الناس، وهي عبارة عن أفكار وأعمال، يختلف تقييمها وقبولها أو ردها حسب المجتمع الذي انتشرت فيه.

وتعود أسباب التباين بين الثقافات لأمور عدة، أهمها تأثير العوامل الموضوعية مثل البيئة الجغرافية وطبيعة الاتصال والتعاون بين الجماعات وحجم الجماعة الإنسانية التي يجري فيها التفاعل. كذلك للقيم والعادات السائدة في المجتمع دور في صياغة السياق الثقافي السائد، والذي يسهم بشكل واضح في تشكيل طبيعة الإنسان وأفكاره.

وتتميز الثقافة الإنسانية بأنها انتقائية وانتقالية تراكمية ونسبية القبول والرد في استخدامها كسلوك إنساني، وهذا ما يظهر الفروقات الاجتماعية والثقافية في صياغة السلوك السكاني للأقاليم في المملكة العربية السعودية. حفظ الله المملكة بجميع أقاليمها وأدام بينها الانسجام الاجتماعي رغم وجود الاختلافات الثقافية.

reem2281@