عبدالله المزهر

تنويري مستجد ومذكرات نبي سابق..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 24 فبراير 2020

Mon - 24 Feb 2020

أظنكم ـ والله أعلم ـ تعلمون أن «التنوير» كلمة مشتقة من النور، الذي هو عكس الظلام، أما اصطلاحا فإني أظنكم تعلمون أيضا أنه يشير إلى حركة فلسفية بدأت في القرن الثامن عشر، معتمدة على مفهوم الحرية والعقلانية، ومرتبطة بالتطور والتغيير في النظام الاجتماعي والثقافي الموجود أو السائد. والتنوير في الاصطلاح ضد السلفية، بل إن السلفية الدينية في أوروبا في ذلك العصر هي السبب الرئيسي وربما الوحيد لظهور فكرة التنوير.

وأظنكم تعلمون ـ والله أعلم ـ أني لا أهدف من خلال مقال يومي إلى تأصيل أو إلى كتابة بحث معمق عن «التنوير»، وكل ما في الأمر أن المصطلح يروق لي، وأردت أن أبدو مهتما بمثل هذه الأمور التي قد تشي للآخرين بأني مثقف كثير الاطلاع مهتم بالنور والتنوير والتنانير ـ جمع تنور، وأتمنى أن أنجح في هذا بالطبع وأصبح «للناس نورا يُستضاء به كما أضاء لهم في الظلمة اللهبُ».

لكني لا أخفيكم أن الأمر فيه بعض الصعوبة، فنقد «السالف» بعقل تنويري يحتاج أولا إلى قراءته والاطلاع عليه وفهمه ودراسته دراسة عميقة، ومن ثم يمكن البدء في الحديث عن الأفكار بعد دراستها والتعمق في فهمها.

وحين بدأت في البحث وجدت أن ابن تيمية ـ على سبيل المثال ليس إلا ـ له أكثر من ثلاثمئة مجلد، وقراءتها تحتاج عمرا آخر، إضافة إلى أن القراءة وحدها لا تكفي، فلابد من المعرفة بالظروف الاجتماعية والتاريخية التي كتب فيها كل مجلد، ثم البحث في كتب المعارضين له والمؤيدين له. وقد وجدت أن الأمر محبط، خاصة لأمثالي ممن يعجزون حتى عن قراءة رسائل الواتساب ونقد النصائح الطبية التي ترد فيها.

ثم إني حين رأيت حلمي التنويري يكاد ينطفئ وجدت أن بصيصا من النور في منتصف النفق، وتنبهت ـ بفضل فطنتي المبالغ فيها ـ إلى أن الأمر لا يحتاج لكل هذا الجهد الذي بذله «سلفيو التنوير»، يمكن أن أصبح تنويريا يصل إشعاعي أقاصي الأرض بمجهود أقل من ذلك بكثير.

لكي تكون تنويريا الأمر لا يحتاج أن تقرأ أي شيء، يمكن أن يكون كل ثقافتك وعلمك هو مفضلتك في تويتر، وأنا لن أحتاج سوى فتح حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم أكرر كالببغاء كلمات مثل (التراث، القطيع، المرأة، الإنسان) وأضعها في جمل مفيدة ـ أو حتى غير مفيدة، ولا ضير في التشكيك في كل ما يعتقد الآخرون أنه من الثوابت، يمكن أن أتحدث عن الصلاة بالإيماء، أو أصر على أن المقصود بالصيام هو الامتناع عن تسديد الأقساط. سأبدأ من الأعلى وسأترك الأمور المستهلكة كالحجاب وما شابهه لصغار التنويريين.

يمكنني الحديث عن مسيلمة ووصفه بأنه ثوري قاوم النظام الظلامي. وبما أن الاطلاع والمعرفة لم يعودا شرطا مهما ـ ولا غير مهم ـ في نقد الأشياء فإن ما يمكن أن ينتقد ويشكك فيه لا نهاية له. كل يوم سأتحدث عن شيء وأعمي بإشعاعي التنويري أعين الظلاميين التراثيين.

وعلى أي حال..

ربما أقتبس عبارة «مذكرات نبي سابق» من صديقي إمام الزمان وحجة الأفهام أبي بكر جميل الرويلي حين قال ما معناه إن الأحاديث النبوية ليست مجرد «مذكرات نبي سابق»، فالعبارة راقت لي وسأستخدمها بطريقتي التنويرية كبديل لوصف السنة. ثم إني قد أنشئ فكرا جديدا يختلف عن فكر «التنوير» لأنه أصبح فكرا تراثيا هو الآخر يتبعه قطيع دون تمحيص ولا تفكير.

agrni@