زيد الفضيل

من هم عباد الله الصالحون؟

السبت - 22 فبراير 2020

Sat - 22 Feb 2020

حدثني ملهمي قائلا: وهل تعرف من هم عباد الله الصالحون في قوله تعالى «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون»؟! وهل الصلاح مقصور على فئة معينة، محددة بهوية مذهبية أو دينية وبشعائر مخصوصة؟ وأين الإنسان في هذا المفهوم؟ ذلك الذي كرمه على خلقه، وجعله مستخلفا في الأرض، ومكنه منها، أليس ذلك الإنسان هو من جاءت كل السياقات النبوية، والتشريعات السماوية، والقوانين الأرضية، لتكون في خدمته وتسعى لصلاحه؟ وبالتالي فصلاحه مرهون بمدى استجابته عملا وسلوكا لكل تلك التشريعات والقوانين الساعية إلى تعزيز مفهوم وسلوك الخيرية، في مقابل غواية الشيطان الهادف إلى نشر الرذيلة والفحشاء، والعداوة والبغضاء، وهدم منظومة القيم والأخلاق الحميدة بين الناس أجمعين.

دعونا نتأمل بشيء من التجرد في معاني عباد الرحمن الصالحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، المذكورة صفاتهم في كتاب الله (العابر بحكمته ونوره الزمان والمكان)، سنجد أنهم هم المؤمنون المتقون كما جاء في قوله تعالى»ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون»، وهم الذين يخشون ربهم «ومما رزقناهم ينفقون»، ثم هم الذين يتصفون بالتواضع والسكينة فيمشون هونا دون خيلاء أو تكبر، وتفيض نفوسهم بالتسامح لمن يجهل عليهم؛ لا ينفقون بجهالة، ولا يسرفون بسفه، ولا يمنعون الماعون ويبخلون عن الإنفاق فيما يخدم الناس ويصلح أحوالهم، ثم إنهم لا يتجبرون فيقتلون النفس التي حرم الله، ولا ينتهكون العرض ظلما وبهتانا بقسر أو برضا ناتج عن قسر، كمن يستغل حاجات الناس ليرضي غرور نزواته الجنسية بعبث، وما أشد عقاب أولئك في كتابه يوم الحساب الأكبر، ثم هم الذين لا يشهدون الزور (وهو قول المنكر والإقرار به)، وتسامت نفوسهم عن الوقوع في ذلك تزكية وصدقا وأمانة.

كل تلك الصفات العملية وغيرها كانت ولا تزال لأولئك الصالحين، الذين عملوا على تزكية أنفسهم أولا، ثم نذروا ذواتهم لخدمة الآخرين، وتلبية احتياجاتهم الطيبة، ولذلك جعل الله أنبياءه المصطفين منهم مصداقا لقوله تعالى «فنادته الملآئكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين» أي من الذين يتوجهون لخدمة الناس، أيا كان لونهم وعرقهم ومعتقدهم، وهو ما أكده المولى أيضا في وصف المسيح عليه السلام في قوله تعالى «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين»، وقوله «وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين»، وهو أيضا مبتغى غيرهم كما جاء في قوله تعالى على لسان سيدنا سليمان عليه السلام «وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين».

أمام كل ذلك، ألا يجدر بنا أن نقف وقفة تفكر وبرهان لنستجلي مفهوم وخصيصة الصلاح الذي به نرث الأرض؟ ثم أليس سادة الأرض هم أنفعهم للناس ممن سخروا عقولهم لخدمة البشرية على صعيد الانتفاع العلمي، وعبر سن القوانين والتشريعات الحافظة لحقوق وكرامة خلق الله جميعا؟

ألسنا نحن المسلمين من مكننا الله وجعلنا سادة لأرضه في وقت مضى؟ حين كنا الأصلح بقيمنا وسلوكنا وفعلنا الحضاري، وكان خيرنا موجها لخدمة الناس جميعا، بغضّ النظر عن لونهم وعرقهم ومعتقدهم، فالناس كأسنان المشط في ثقافتنا النبوية، وأكرمهم أتقاهم في تعامله مع غيره بخلق كريم، وسلوك قويم، في وقت كان الناس من حولنا في شتات يتخبطهم الشيطان بغوايته، ثم لما تخلينا عن المفهوم الحقيقي للصلاح، وغصنا في مظاهر شكلية للإيمان والتقوى، فقدنا ذلك الامتياز، وأورث الله أرضه لمن وعى وأدرك الغاية العليا من مفهوم الصلاح، وتلك هي سنن الله الكونية «ولن تجد لسنة الله تبديلا».

zash113@