ريم منصور

المعرفة العلمية أم الخبرات؟

الأربعاء - 19 فبراير 2020

Wed - 19 Feb 2020

يثار في الآونة الأخيرة موضوع الإنتاج الوظيفي، وتطرح عديد من الآراء حول التميز المهني. ودائما ما يثار في وسائل التواصل الاجتماعي سؤال سريعا ما يجيب صاحبه بحسب خبرته ورأيه الشخصي، وملخص هذا السؤال: من الأفضل في المناصب المهنية القيادية الموظف صاحب الخبرة، أم صاحب المعرفة العلمية؟

الخوض في مثل هذا الموضوع وبالشكل الدارج الآن فيه كثير من السطحية في إطلاق الأحكام وتسفيه أصحاب الخبرات وأصحاب المعرفة العلمية، ذلك لما يتضمنه هذا الطرح من أدوات أو كلمات الجزم والتأكيد من قبل أصحاب الرائي عن طريق إثارة الخطاب المجتمعي الحدي الذي لا يسعى لإثبات حقيقة أو الجزم بواقع، إنما يسعى لإثارة الرأي العام، وقياس الجهل الموجود في الأسلوب الخطابي الشائع.

ففي أي وظيفة مهنية لا يمكن الاستغناء عن المعرفة الأساسية العلمية تجاه ما يؤدى من مهام تخص هذه الوظيفة، كما لا يمكن إغفال الخبرات الواقعية المكتسبة عن طريق الممارسة الحقيقية، والتي تخرج من إطار البنود النظرية إلى بدائل ممكنة للتطبيق وحل المشكلات المهنية في جميع المجالات.

وحول هذا الحديث سأذكر بعض الحالات القريبة من تخصصي، والتي مرت علي بممارسات مهنية من موظفين آخرين.

في أحد الأماكن العامة، وبين عدد من النساء اللاتي لا أعرفهن، سمعت إحداهن وهي معلمة تحكي أنها تقف على حالة إحدى الطالبات وتقول إن الطالبة تأتي كل يوم للمدرسة تبكي وعليها آثار السهر وقلت النوم والإرهاق، وعندما سألتها المعلمة عن حالها قالت الطالبة إن لها أخا كبيرا يعنفها ويطلب منها ما لا تطيق، وعندما تشتكي لوالدتها تقول الوالدة: اصبري غدا تكبرين وتذهبين لبيت زوجك وترتاحين منه.

عندما سمعت هذا الكلام سارعت بالتدخل وسؤالها: ماذا كانت ردة فعلك؟ قالت المعلمة: ذهبت لتصبير الطالبة كما فعلت أمها، وقلت لها اصبري فالقادم أجمل والحياة ابتلاء، واستشهدت ببعض الآيات والأحاديث التي تبشر الصابرين، وتقول: كان ردي لها من واقع خبرتي في الإرشاد الطلابي. سألت المعلمة: بصفتك من تقولين لها هذا الكلام؟ قالت: أنا المرشدة الطلابية في المدرسة منذ خمس سنوات.

وأتبعت حديثها بالقول: الحمد لله ارتحت من التدريس فتخصصي صعب رياضيات. فقلت لها: ارتحتِ من هم التدريس كما تقولين والطالبات يدفعن الثمن!

من واقع التخصص الاجتماعي من المفترض أن تسأل: هل الطالبة تحتاج لمساعدة خارجية؟ هل الأخ يبتز أخته في أمور أعظم؟ هل سيجر هذا التعنيف الأسري الطالبة لأمور غير محمودة مستقبلا؟ وعديد من الأسئلة الأخرى التي لا يفي المقام لطرحها.

من الحالات التي يفترض النظر فيها أيضا إذا كان الأداء المهني يقوم على الخبرات الحياتية والعملية والشخصية، دون التراكم المعرفي العلمي؛ هل سيحل المعلم أو المعلمة بجميع تخصصاتهم المعروفة حالات التنمر الشائعة الآن في المدارس؟

ذاك المعلم المرشد في إحدى المدارس الثانوية يقول عن أحد الطلاب الذي يضرب كل يوم واحدا من طلبة المدرسة عند الخروج «يكبر ويهديه الله ويعقل»، ذلك لأنه لم يمر عليه في خبراته المدرسية المحدودة في الإرشاد درس علمي عن أسباب الانتحار أو الهروب، أو الانحراف والعداء الاجتماعي، ولم يكن على رأس العمل في الوقت الذي هرع فيه طلاب الثانوية لاتباع من يتحدثون عن الجهاد المزيف، أو عن طرق الانتحار الفدائي وقتل الأبرياء للقضاء على السلوكيات التي لا تعجبهم.

إن الخبرة لا يمكن أن تصبح أداة نافذه للإنتاج المهني الذي يعلي شأن الأمة والوطن دون تدعيمها بالعلم والمعرفة من المتخصصين في جميع المجالات. فالخبرة معرفة بسيطة تصقل بالتراكم المعرفي العلمي، وتوجه الأدوات الصحيحة لتحقيق الأهداف. فتحية إجلال وشكر لكل من تعلم ولكل صاحب درجة علمية كان غرضه من هذا العلم المساهمة في بناء الوطن والسير نحو النمو البشري والمعرفي الرائد، واستثمار الموارد البشرية كرأسمال حقيقي باق ما بقي الإنسان على وجه الأرض.

@reem05031