العريفي دلال

حين يتبعثر النظام الإداري

الأربعاء - 12 فبراير 2020

Wed - 12 Feb 2020

حين نسمع تعليقا مثل «لا بد أن يكون القانون محترما حتى نحترمه»! قد نعتبر أن كلمات كهذه لم تكن إلا تعبيرا عن استياء الأفراد من قانون أو نظام معين في مؤسسة معينة.

ولو اتفقنا مع هذه المقولة فيما يخص أنظمة المؤسسات مثلا، سنصل إلى نتيجة سريعة تؤكد أن على المؤسسة أن تقدم وتتبنى سياسات وأنظمة إدارية «محترمة» قبل أن تطالب منسوبيها بالاحترام! وإذ نذكر القوانين والأنظمة الإدارية، فإنك - عزيزي القارئ - تدرك الفرق الكبير بين القوانين الإدارية والممارسات الإدارية السائدة فيها، وتعلم يقينا أن النظام ربما يتغير تماما بسبب من يطبقه!

فقد يكون النظام جديرا بالاحترام، لكن بعض الممارسات قد تكون سببا في تشويهه وضياع هويته الحقيقية. ولعل هناك من يرى أن احترام الأنظمة والسياسات، إنما هو نتيجة طبيعية للممارسات «المحترمة» التي تقدمها وتفخر بها المؤسسة، إلا أن من أسوأ ما يتعرض له القانون أو النظام استغلاله من بعض المديرين للوصول إلى أهداف شخصية أو لتحقيق مآرب أخرى! ولا أعتقد أن من المبالغة القول إن إساءة استخدام النظام تعد ظاهرة عالمية تكاد تراها في كل مؤسسات المشرق والمغرب. لكن تلك الممارسات المشوهة، والخلل في تطبيق الأنظمة، لا ينبغي أبدا أن يكونا سببا دافعا للموظفين لتجاوز النظام أو التعدي عليه، مع اعترافنا أن القانون له عمر افتراضي، ويحتاج للتجديد وإعادة التأهيل أحيانا، ولم يكن يوما شرعا إلهيا لا يمكن مناقشة بنوده ولوائحه كلما استدعى الأمر!

وإذا كانت القوانين المحترمة هي التي تراعي انضباط العمل الإداري وتوازنه في المؤسسة، وتراعي في الوقت نفسه جانب الإنسان الماكث فيها نصف يومه وأكثر، فلا بد أن ندرك أن وضع الأنظمة والقوانين الإدارية وصناعتها، يختلف تماما عن تطبيقها. وحين يستاء الموظف ويتذمر بسبب ممارسات إدارية مجحفة مثلا، فهل يحق لإدارته أن تطالبه بالاستسلام والصمت كبرهان احترام للنظام؟ وهل يحق لها أن تصفه بعدم التهذيب إن تظلم واشتكى؟! وهل نعتبر الأنظمة الإدارية في المؤسسة فعالة، وهي تتضرر يوميا من ممارسات بشعة لم يجر التصدي لها أو تصحيحها من قبل إدارتها ورؤسائها؟!

ما زلت أزداد يقينا أن من الأساسات المهمة التي تقوم عليها نجاحات أي علاقة شخصية أو مؤسسية في هذا الكون، المصداقية والاحترام والثقة، وهذه الأمور تنشأ وتستظل تحت ظل شجرة هذه العلاقة أو تلك، ولها نسبة من هذه الأساسات، تتفاوت وتتباين بحسب اختلاف الأشخاص والمؤسسات، وبها تنمو العلاقات وتسمو، أو تهوي إلى مكان سحيق.

وفي ميادين العمل، هذه الأركان يتوقعها كل طرف من الآخر في علاقاتهم التبادلية، والأكيد أن كل مؤسسة تطالب موظفيها باحترام سياساتها وأنظمتها، لا بد أن تعلم أن أولئك الموظفين ينتظرون منها احترام وجودهم وتقديرهم، والاعتراف بحقوقهم، وإنصافهم والانتصار لهم حين يقع عليهم ظلم وتسلط. حينها لن يكون الاحترام هو النتيجة الوحيدة لهذا، بل إن التأثير يتضاعف حتى يبلغ مفاهيم الانتماء والرضا، وتتميز صور الأداء للمؤسسة وموظفيها، ويتحقق التطبيق السليم للقانون بما يضمن نجاحه، وحمايته من التبعثر بالممارسات السوداء.

darifi-@