عبدالله المزهر

حين تفشل السوق البيضاء!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 27 يناير 2020

Mon - 27 Jan 2020

والحقيقة أن أسوأ ما في أزمة التدخين والسجائر والمغشوش والجديد والقديم هو أننا ـ أعني نفسي فقط ولكني أحب تفخيمها بين الحين والآخر ـ أصبحنا وكأننا ندافع عن التدخين كفضيلة عظيمة، ونروج له ونحث الناس على أن يحرقوا رئاتهم بالسجائر قبل أن تحرق الضرائب جيوبهم.

وهذا غير صحيح بالطبع، لكن الفكرة أننا ـ أعني الجميع ـ نريد أن نقول إنه حتى من حق الفئران أن تموت بسم مصنوع بطريقة سليمة، ليس من حق أي أحد أن يعبث في مواصفات أي شيء بحجة أنه ضار وأن المغشوش مثل السليم، هذه حجة بلهاء في أحسن أحوال حسن الظن.

والسؤال الذي يطرح نفسه في أزمة الكيف هذه هو: ما سبب هذه المشكلة؟ والحقيقة أيها الناس أن السبب الحقيقي هو أنه لا توجد مشكلة، الذي يوجد فعلا أن هناك بعض الجهات تحب افتعال مشاكل من العدم، لا لزوم لها ولا حاجة. ثم البحث عن حلول لهذه المشكلة التي يفترض أنها لم تحدث أصلا، ثم اختراع حلول أسوأ بكثير من المشاكل. ورغم غرابة الأمر إلا أنه يبدو مسليا لمن يقوم به. والأمر لا يقتصر على موضوع التدخين والكيف والسجائر، لكنها عادة يمكن أن يمارسها كثير من المسؤولين في كثير من القطاعات. والخطوة التالية في كل مرة هي إنكار أنه توجد مشكلة من الأساس، وظهور مخلوقات التواصل الاجتماعي في حملة التبرير الجماعي، أما الخطوة الأخيرة فهي في الغالب الاعتراف بوجود المشكلة وصعوبة حلها.

وقد يسأل سائل كريم ويقول: ما الذي دعاك للعودة إلى مثل هذه الأحاديث الآن وقد مضت على هذه المشكلة الشهور عددا؟! فأقول للسائل - وفقني الله وإياه - إني قد عدت بسبب تصريح الجمارك السعودية على لسان نائب محافظ الهيئة العامة للجمارك للشؤون الأمنية والتعاون الدولي، بخصوص عدد السجائر المسموح بدخوله مع المسافرين، ثم عودة الهيئة مرة أخرى لتصحيح ما قاله النائب.

والحقيقة أن ما قاله حرفيا ليس مهما، المهم هو فكرة ما قاله، وملخص هذه الفكرة بغض النظر عن الأرقام هو أنه بعد الاتفاق مع وزارة التجارة وهيئة الغذاء والدواء فإنه مسموح للمدخنين أن يستوردوا سجائرهم بأنفسهم ويدفعوا الضريبة. وهذا ما يشبه الإقرار مرة أخرى بأن الموجود في السوق غير صالح حتى لمن يريد الانتحار. والسؤال المنطقي لماذا لا يصادر الموجود؟! اعتبروا هذه البضاعة التي أدخلتها شركات التبغ ومستوردوه لا تختلف عن بسطة البطيخ التي تصادرها البلديات لبائع مسكين يقف في الحر يبيع بضاعته غير المغشوشة.

وعلى أي حال..

لماذا اللجوء للحلول المعقدة، حل هذه المشكلة واضح إن تخلينا ـ أعني هم ـ عن فكرة العناد كأسلوب لمواجهة الأزمات، وهو أن يعود الوضع كما كان، وأن يتحول المدخنون إلى مستهلكين بدلا من فكرة أن يتحولوا إلى مهربين، والاقتناع بأن وجود فكرة سوق سوداء لأي شيء يعني ببساطة أن السوق البيضاء فشلت في تلبية رغبة المستهلك.

agrni@