محمد أحمد بابا

الطرق الصوفية من الفتنة إلى الأصل

السبت - 25 يناير 2020

Sat - 25 Jan 2020

فتن الناس قديما في طرق مثلت منهجية في تربية النفوس على التدين وتزكيتها لبلوغ رضا الخالق، وهيأت الحادثات وتعاقب الأزمنة واختلاط الثقافات واختلاف الحال العام للمسلمين بيئة خصبة سانحة لنجاح شغف الناس بالطرق الصوفية عموما.

وفتنة الناس في (التصوف) اليوم ليست بالأمر الغريب ولا المستحدث والمفاجئ، فنزعة النفس البشرية نحو بارئها وخالقها تدفعها لكثير من المحاولات أن تصل إلى ربها راضية مرضية، ونوايا غالب أوائل من تصدروا لمشيخة بعض الطرق كانت حسنة نبيلة طاهرة عازمة على توجيه الخاصة والعامة لحسن الأدب مع شدة الطلب.

وإنما الفتنة نثرت شرورها على فئام من الخلق - على حسب فهمهم وجودة انتقائهم - لما يوافق الدين ويتمشى مع المعتقد الصحيح، فتشدد قوم في انتمائهم لطريقة بعينها حتى رأوا غير ما هم سائرون فيه ضربا من خيال الإسلام، بينما فرح آخرون برضا قائد مسيرة طريقة عنهم، فأضحوا كمن وجد صكا للغفران نيابة عن رب العالمين، واحتقر عامة من الناس تلك الطرق، ورأوا فيها جهلا ورجعية وتسويقا لتغييب العلم.

ولحقت الفتنة ردة فعل عند آخرين حتى حاربوا كل الطرق الصوفية وأقسموا بالله جهد أيمانهم أن هؤلاء متبرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون. والعويص في الأمر ارتباط التصوف بحب النبي صلى الله عليهم وسلم حتى أضر ذلك بالكارهين للصوفية، لدرجة أنه أوقفهم على شفا جرف هار من كفر يسِمونَ به المتصوفة من الناس.

ولعل الذي يُنجي الناس اليوم من افتتان في (التصوف) وفتنة في الدين لا يُعلَم مصير من جرفته؛ أن يعلم الناس أنه لا مشاحة في الاصطلاح، ولا خلاف يجدي في جمال التسمية من غرابتها، ولا يتعلق دين الله تعالى بأن تتخذ فئة مسلكا لتحقيق أحكام دينه لم تتخذه أخرى.

ثم ليعلموا بأن ترك الدنيا بالكلية مخالف لقوله تعالى «ولا تنس نصيبك من الدنيا»، وأن الإضرار بالنفس وإجهادها بما لا تطيق وبما يوقع مشقة متوقعة أو محتملة فوق العادة والطبيعي مخالفة لقوله تعالى «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، وأن وضع المرء نفسه منزلة الاستحقار والضعف بحجة الأدب والتواضع على غير هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومخالف لقوله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم».

وليكن معلوما لدى من يرجو نجاة بدينِه أن خير العبادة ـ بعد ما افترضه الله تعالى على المسلم ـ هو الذكر، وخير عباد الله الذاكرون الله كثيرا والذاكرات، والمداومة على الذكر ملكوت اليقين في الله وطريق التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو سبيل لعبودية لا يستطعمها إلا من ذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنبه في كل وقت وبكل حال.

واستطرد المحققون بأن رأس الذكر لا إله إلا الله، وصلب الذكر الاستغفار، وجُماع الذكر الصلاة على الحبيب المصطفى.

وعلى الناس أن يعلموا أن وضع منهجية لتربية النفس وتعويدها على طريق التزكية بخطط تستوعب اليوم والليلة وتراعي السن والعمر والغنى والفقر والصيف والشتاء والنهار والليل؛ كل ذلك اجتهاد الحريصين على نوع من الدعوة آتى أُكله في بقاع شتى من عالمنا الإسلامي.

كما أن الاجتماع للذكر نبوي الأصل رباني الرضا، لكن المؤمن الحق آتاه الله من نور هو سلطان قرآنه وعواصم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يفرق فيه بين الهدى والضلال.

albabamohamad@