علي المطوع

السيادة بلا سياسة

الجمعة - 24 يناير 2020

Fri - 24 Jan 2020

الخامس من يونيو 2017، كان الخليجيون على موعد مع الإصدار الثاني للأزمة القطرية، على اعتبار أن سحب السفراء في عام 2014 وما صاحبه من خلافات واتفاقات كان الإصدار الأول لتلك العلاقة المتوترة دائما بين دول الخليج وقطر.

الأزمة القطرية الحالية تستعد لعبور عامها الثالث، وهو عبور بالنسبة للقطرين يعني استمرارا للأزمة واستمراء للمأجورين، أما الآخرون فلا يعني لهم سوى تطبيع للأزمة وجعلها أمرا معاشا ومشاعا اعتاده الجميع.

إن استمرار الأزمة القطرية يعني ويعكس أشياء كثيرة، لعل أهمها أن قطر لم تستطع فرض موقفها السياسي الذي يجعلها صاحبة الكلمة العليا في هذا الظرف التاريخي، وهذا ما جعل خطابها الإعلامي المنطلق من الجزيرة، يمارس أدوارا متناقضة ومختلفة في هذه الأزمة، بدأ بالمظلومية، ومزاعم قطع الغذاء والدواء والأرحام مرورا بتوجيه خطاب مركز للداخل القطري يتضمن استعداد الجوار لغزوها عسكريا طمعا في ثرواتها من الغاز والبترول، وصولا إلى خطابات التحريض والاستعداء للدول المقاطعة.

هذه الخطابات زامنها وزاملها خطاب آخر يؤكد عافية قطر وتعافيها الدائم من آثار (الحصار)، وأنها قادرة على تدبر أمورها، بل وصل الأمر إلى الصدح بتغير الموقف إلى الأفضل كون الدول المقاطعة رجس ينبغي اجتنابه!

هنا المواطن القطري الأصيل أصبح يعيش تحت تأثير فكرتين متناقضتين، الأولى البكائية التي تمارسها الجزيرة، وفي الوقت نفسه الفرحة بالاستقلال والسيادة، خاصة الأخيرة، كونها كما يزعمون كانت رهينة للسعودية ومواقفها السياسية أو المزاجية المختلفة!

هذا الأمر سبب إرباكا للمواطن القطري موقفا وشعورا، فتضاد الخطابات يجعله يعيش تناقضات شديدة تحيله إلى الأسئلة الشائكة، وأهمها: لماذا يقاطعنا الأشقاء دون غيرنا؟

إن الملاءة المالية التي تنعم بها قطر أثرت سلبا على المنطلقات السياسية التي تسلكها الحكومة هناك، بدءا بالشعارات، ووصولا إلى سلسلة التحالفات التي كبلت قطر ودفعت بها إلى الجدار، كون الموقف الأخير يجعلها في مأزق سياسي لا يحتمل، فالمزاوجة بين الحلفاء والمنطقة ودولها وشعوبها، فيها كثير من التناقضات، إضافة إلى أن ذلك سيشكل عبئا على قطر لن تتحرر منه إلا بسلسلة من التنازلات والسقطات التي تجعلها دائما وأبدا أسيرة لرضى طرف وغضب أطراف أخرى، والعلاقة مع إيران مثال صريح على ذلك، وهذا يعكس تخبطا سياسيا له ثمنه الذي ينبغي دفعه اليوم وغدا وبعد غد.

التحالف مع تركيا وإيران قد يقال إنه بسبب القطيعة التي فرضها الجيران، لكن أي بوادر حل للأزمة مع أولئك الجيران تقتضي تحييدا للدورين التركي والإيراني، واختزالهما إلى القدر الذي سيزعجهما ويعيد قطر إلى

مربع التناقضات القديم وما يتطلبه من تنازلات دراماتيكية جديدة تذيب السيادة وتأكل ما تبقى منها، وتجعلها أسيرة لرضى ذلك الكيان وغضب تلك الكتل.

إن الأحداث التي عصفت بقطر في العامين الماضيين كانت نتيجة للحسابات السياسية الخاطئة، وهذا ما جعل الحكومة القطرية تلجأ إلى سياسات ردات الفعل دائما، بدءا بحوادث اعتراض الطائرات المخترقة لأجوائها - كما زعمت - مرورا بالخروج من أوبك، ووصولا إلى الأسطوانة المعهودة الانتخابات القادمة، وإن كانت المؤشرات السابقة والحالية وربما المستقبلية تشير إلى أن ديموقراطية قطر ذهبت مع الريح، ولن

تعود إلا من خلال وعود تلفزيونية القصد منها مناكفة الجيران كما يظنون!

مشكلة قطر الأزلية والراسخة في وجدان ساستها أن المال والغاز والإعلام والأعلام والاستثمارات وكأس العالم (الحلم)، ستفرضها وتجعلها قوة عظمى في المنطقة والعالم، لكن الأحداث الحالية نحّت كل هذه الأمور، فالدول المقاطعة لا تكترث بالحملات الإعلامية وبرامج الجزيرة المستدعاة من أراشيف التاريخ الكاذبة، وأزمات المنطقة مع الدول الأخرى تتجه إلى الحوار وربما تفضي إلى حلول، والمشكل القطري لا يتحرك إلا داخل الجزيرة وبرامجها الإخبارية، وفي بعض الحسابات التويترية، وهذا كله لم ولن يحل الأزمة القطرية.

ساسة قطر السابقون واللاحقون عليهم مسؤولية كبيرة، هذه المسؤولية تتطلب فهما واضحا وجليا لقطر الكيان والإنسان، والأدوار التي لعبتها وما زالت تلعبها، والتي تجعلها النشاز داخل كل منظومة تنتسب إليها، ولعل اعتراضها الأخير على الإجماع العربي تجاه العدوان التركي على سوريا أحد الشواهد على ضرورة أن تعود إلى رشدها ورشادها، متماهية مع جيرانها ومحيطها الخليجي والعربي القريب والأقرب والبعيد والأبعد.

قطر وساستها يتعاطون السياسة مع الأقربين وفق مقولتهم المشهورة (روسنا يابسة)، ومع الآخرين بمنتهى السلاسة واليسر والسهولة، في تعارض مع التاريخ ومصادمة للجغرافيا بكل أشكالها وإشكالاتها، ومفاهيم السياسة التي تعني في أبسط صورها وتعريفاتها، إذا أردت أن تحمي سيادتك ومكتسباتك عليك أن تتحلى بشيء من الكياسة التي تعني سياسة، عندئذ ستثمر سياستك وتحمي سيادتك وتعيش بسلام مع نفسك وجيرانك.