فهيد العديم

السلع المغشوشة (تحية لذوي الشفاه الداكنة)!

الأربعاء - 22 يناير 2020

Wed - 22 Jan 2020

بعيدا عن الجدل الذي يبدو أنه لن ينتهي حول (الدخان المغشوش) وتداعياته، فإنني أحيي المدخنين الرائعين (ذوي الشفاه الداكنة)، الذين رفعوا أصواتهم عاليا محاولين أن يسمعوا من بأذنه صمم، الشكر والتحية ليسا بسبب إخلاصهم (لمزاجهم) الذي دونه خرط القتاد - وإن كان هذا السبب كافيا للشكر، ولكن الأجمل هو أن حملتهم نبهت الناس إلى الغش التجاري الذي تجاوز الدخان، وظل لمدى أشهر مسكوتا عنه حتى أتت (أزمة الدخان) فجعلت الناس تتحدث عن (الأول والتالي).

انتشار السلع المغشوشة أو المقلدة أصبح ظاهرة مقلقة ولافتة، فسابقا كان المغشوش هو الاستثناء والأصلي هو القاعدة، أما الآن فأصبح العكس تماما، وكي لا يكون الكلام مرسلا، ولمن أراد أن يتأكد فليبحث بنفسه عن أي بضاعة أصلية، فعلى سبيل المثال محلات بيع النظارات التي لا يخلو منها شارع تجاري أو غير تجاري، ومع هذا العدد الهائل لا تجد منتجا أصليا. تخيل أن مدينة كاملة لا يوجد بها منتج أصلي، فجميع الماركات الشهيرة يباع المقلد منها بسعر بخس عند مقارنته بالمنتج الأصلي، وقس على ذلك المنتجات الرياضية، وبإمكانك المرور بطريقك على محلات (أبو 10- -15- 20) بشرط أن يكون قلبك يحتمل الفواجع، الغريب أن هذه السلع المقلدة أو المغشوشة (لا مشاحة في الاصطلاح) لا تباع سرا، بل تباع علنا أمام أعين وزارة التجارة والبلديات والأمانات وكل الناس، ولا أحد يحرك ساكنا.

أما المفارقة فهي الحملات المصورة لمداهمة التجارة أماكن تصنيع السلع المقلدة، وأعترف أن عقلي البسيط لم يستوعب تسويق تلك الجهات لحملات المداهمة عبر المشاهير، وتصوير وتسويق هذا المنجز على أنه عمل عظيم، فيما المغشوش والمقلد الظاهر يُترك وكأنه طبيعي! هل هناك فرق بين المقلد عندما يكون في مصنع متهالك وعندما يكون في مكان أنيق خلف زجاج لامع؟

إذا كان الهدف من حملات المداهمة التي يصورها المشاهير تسويق الجهات الرقابية، فإن الذهاب مباشرة للمحلات التي تبيع المقلد في المولات هو تسويق وإنجاز غير مكلف، لأنك بهذه الحالة تنجز عملك أمام الناس ولا تحتاج لحملة إعلانية مكلفة، فالناس أنفسهم سيتناقلون الخبر السعيد، وسيسوقون ذلك مجانا.

سأنقل لكم مثالا بسيطا جدا لما وصلت إليه الحال: بقالة بسيطة بحارتنا تبيع البنادول وبعض الكريمات وشواحن الجوالات - كل ذلك مقلد بالطبع، إلى جانب بيع حلويات ذات ماركات معروفة تباع بسعر أرخص من سعر المصنع الرسمي! وبقالتنا هذه ليست استثناء، لكنها أنموذج صغير للسوق الكبير، هذه جريمة ليس بحق المواطن فحسب، بل وبحق الوطن، فحتى لمن هو مثلي لا يجيد أبجديات الاقتصاد يعرف أن ذلك يشكل خطرا على جلب مستثمرين جادين في هذه الفوضى، إنه أمر يتعلق بأحلامنا وآمال رؤيتنا العظيمة 2030.

أتمنى أن نرى تحركا جادا، ليس للقضاء كليا على ظاهرة الغش والتقليد، لكن على الأقل لنحسن النية بالجهات ذات الصلاحية التي أقل ما يقال عنها إنها متخاذلة!

Fheedal3deem@