عبدالله المزهر

خاتم سليماني!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 05 يناير 2020

Sun - 05 Jan 2020

قرأت مرة على شاحنة فظة غليظة عبارة «لا تعاند من إذا قال فعل»، والعبارة معروفة لكن كتابتها على الشاحنة التي يقودها أخ آسيوي أرعن تعلم القيادة للتو جعلها تبدو أكثر مصداقية وواقعية، ووقعها مخيف أكثر من مجرد سماعها في حديث عابر.‍

ربما لم يسبق للساسة في إيران أن قرؤوا مثل هذا التحذير على شاحنة من قبل، وهذا ما جعلهم يتمادون في استفزاز الشاحنة التي تقود العالم.‍

والحقيقة أن التأمل في ردود الأفعال التي أتت بعد أن ذهب سليماني ولم يبق منه إلا خاتمه تبدو مثيرة وباعثة على التعجب. صحيح أن كل ما يحدث في العالم الآن محير وعجيب، لكن في هذه القصة تحديدا يبلغ العجب مداه.‍

إيران غاضبة لأن الشخص الذي أرسلته لقتل الناس تم قتله، هي ردة فعل ليست بعيدة عن ردة فعل ريا في فيلم ريا وسكينة حين قالت عبارتها الشهيرة «الولية عضت إيدي وأنا بخنقها، تقولش عدوتها؟!».‍

إيران تعلم أن العالم كله يعلم أن سليماني لم يكن ذاهبا بين بيروت وبغداد في مهمة إنسانية، وأنه لم يكن يحمل شحنة من الدواء يطوف بها عواصم العرب بحثا عن مستحقيها، هم يعلمون قبل غيرهم أن طريقه مفروشة بدماء كثير جدا من الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم تواجدوا في الطريق الذي سيمر منه سليماني وهو يمهد للتوسع الإيراني.‍

ومع هذا فإن الإيرانيين من حقهم أن يغضبوا أو أن يظهروا للعالم أنهم قد استاؤوا من مقتل إيراني، أما الأمر الغريب هو النواح اللامتناهي من بعض الإخوة العرب، والذين يبكون وينتحبون في القنوات الفضائية وحسابات التواصل الاجتماعي أكثر مما فعلت زوجة قاسم سليماني شخصيا بعد سماعها خبر مقتل بعلها في العراق.‍

الإخوة العرب الذين تألموا لرؤية الدماء على خاتم سليماني ولم تؤثر فيهم أنهار الدماء التي سالت بسببه في سوريا والعراق واليمن ولبنان يشرحون بوضوح إلى أي درجة يمكن أن يكون الكائن البشري نذلا حقيرا منعدم الضمير.‍

يمكن أن تتأمل وتتعرف على مستويات جديدة من العمالة والخيانة حين تعلن حكومات عربية الحداد على مقتل سليماني الذي كان إنجازه الوحيد أنه قتل شعوب تلك الحكومات.‍

التعازي التي انهالت على إيران من «الزملاء» في جماعة الإخوان المسلمين تبين بوضوح كيف تفكر هذه الجماعة وكيف تنظر للأمور، هم ببساطة لا مشكلة لديهم في سقوط وزوال كل الدول والحكومات وحتى الشعوب في سبيل تحقيق «المشروع». هم ليسوا ضد الطغيان والاستبداد أو حتى الاحتلال كمبدأ، هم فقط يريدون أن يكون الطاغية أو المستبد أو المحتل ملائما لمقاييسهم ومفيدا لمشروعهم.‍

وعلى أي حال..‍

أعلم وتعلمون ويعلم العالم أن أمريكا لم تقتل سليماني بسبب قتله بعض العرب هنا وهناك، هم يفكرون في مصلحتهم ولهم خطوطهم الحمراء التي لا يسمحون لأحد بتجاوزها، وفي كل دورة انتخابية يضحون بمجرم أو مجرمين من الذين كانوا يسرحون ويمرحون تحت أنظارهم، يتركونهم ولا يكترثون بإجرامهم حتى تحين الفرصة للاستفادة من مقتلهم. هو أمر يتكرر دوريا حتى أصبح مألوفا وغير مستغرب، ولكن هذا لا يمنع بالطبع أن نفرح حين تكون مصلحتهم هي إزالة الأذى ورمي بعض الجثث في مزبلة التاريخ. هذا ليس أمرا سيئا.

agrni@