زيد الفضيل

الدبلوماسية الذكية يا وزارة الخارجية

السبت - 14 ديسمبر 2019

Sat - 14 Dec 2019

في حواره الأخير على شاشة روتانا مع عبدالله المديفر أبان الوزير والسفير الأسبق عبدالعزيز خوجة قدرة فائقة في إدارة الحوار بالشكل الذي يريد، ذلك أنه وعلى الرغم من قدرة معدي الحلقة على جمع معلومات متنوعة عن الضيف، وبعضها قد يكون فريدا، وبالتالي تمكنهم من إدارة الحوار في المسار الذي يريدون، وعادة في هكذا وضع يحاول الضيف أن يبدي قدرا كبيرا من الممانعة، بأمل أن يستلم دفة مسار الحوار، والنتيجة تكون إما أن يستسلم ويُسلم، أو يَظهر بصورة الممانع المرتبك، وفي كلتا الحالتين يحقق البرنامج نقطة لصالحه.

على أن الأمر في هذا الحوار السياسي الثقافي قد جرى بغير ذلك، وكان من فطنة السفير خوجة محفز له لأن يتعامل مع معطيات الحوار بكل أريحية، فلم يُبد أي تشنج ملحوظ في بعض مفاصله التي قد تكون حساسة بالنسبة له، سواء على الصعيدين العملي أو المعنوي. هذه الانسيابية أيضا قد حققت النجاح المطلوب للحلقة، وأرضت قناعة معدي ومقدم الحلقة مهنيا، ولو كنت أستاذا في قسم الإعلام لقررت اللقاء كنموذج يتأمله ويناقشه الطلاب في مختبر البرامج الحوارية، إن كان هناك مختبر في الأساس.

كما لا أغفل في الجانب الآخر الدور المنوط بالمعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية في أهمية تتبع سِيَر عديد من الدبلوماسيين البارزين على الصعيد الوطني أولا وثانيا، ثم على الصعيد الدولي، وذلك لتحقيق أكبر فائدة ترجى من الخبرة والدراية، إذ ليست الدبلوماسية أنظمة وقواعد فحسب، وإنما هي تجارب وخبرات وصناعة مواقف في ظروف صعبة جدا، وفي يقيني ليس أفضل من أن يستمع الدبلوماسيون الجدد إليها مباشرة من أفواه من قاموا بها ومن عاشوها. ولن يتأتى ذلك إلا بالمعاينة كما يقال، والمعاينة هنا تكمن في الجلوس مع أولئك ليس في قاعة محاضرة لمرة واحدة، وإنما عبر ورشة عمل (سمنار) متعدد الساعات والأيام مع الدبلوماسي الضيف، ليخرج المتدرب بحصيلة مفيدة، وهي فكرة أضعها بين يدي وزارة الخارجية، وأرجو أن تكون فاعلة من قبل.

أشير أخيرا إلى أهمية بعض واجبات الدبلوماسي وفق ما أشار إليه الوزير والسفير عبدالعزيز خوجة في لقائه، الكامن في القدرة على نسج خيوط التواصل مع مكونات المجتمع المعاش فيه، وهو ما كان قد سلط الضوء عليه من قبل رفيقه الوزير والسفير الأسبق غازي القصيبي في كتابة الشهير «حياة في الإدارة»، ولعمري تلك مهمة لا يستطيع تحقيق غايتها بنجاح إلا من امتلك وعيا وقدرة على فهم المدركات الحسية والوجدانية لدى الآخر، وحتما لن يكون ذلك سهلا لمن كان أجوف من مختلف المعارف الإنسانية، وجاهلا بثقافات الشعوب وخصائصها التي يحتاج ليتمكن من استيعابها بشكل كلي إلى أن يخصص من وقته زمنا للقراءة وتوسيع معارفه ومدركاته، وتلك هي أدواته الرئيسة حال رغبته في نسج خيوط التواصل، مع تمتعه بمهارات أخرى يمكن اكتسابها بشيء من التدريب.

والسؤال: كم من دبلوماسيينا مدركون لأهمية ذلك؟ وكم منهم قد نقش في صدره شيئا من التاريخ بوعي وتأمل، وليس قراءة عابرة وحفظا أجوف؟

واقع الحال لا أملك إجابة لذلك، لكني أرجو أن يكون جميعهم كذلك، وأن تكون نماذج السفراء من أمثال غازي القصيبي وعبدالعزيز خوجة وتركي الفيصل وعبدالله المعلمي هي الغالبة في عالم الدبلوماسية السعودية والعربية أيضا.

@zash113