عبدالله محمد الشهراني

مهندس تائب

الأربعاء - 11 ديسمبر 2019

Wed - 11 Dec 2019

ثلاثة مهندسين في شركة اتصالات مجتمعون للتحضير لمشروع ما، توجه نحوهم شابان في كامل أناقتهما، ثياب بيضاء وغتر سويسرية لامعة، تهامس المهندسون فيما بينهم متسائلين: أليس هؤلاء موظفي العلاقات العامة؟ نعم (أصحاب الكبكات، اللي ماعندهم شغل، حاول تصرّفهم، ترى عندنا شغل مرة كثير). وموظف علاقات عامة يسرد معاناته مع المهندسين، ويسترسل في وصف الصعوبات التي تواجهه كلما حاول الحصول على معلومة عن المصنع الذي يعمل فيه. وموظف علاقات آخر يشكو قائلا: إن الموظفين، خاصة المهندسين لا يرونني إلا تقويما سنويا أو كابا يلبس على الرأس أو (شمّاسة سيارة).

في الحقيقة، لقد كنت أتبنى هذه النظرة نفسها تجاه إدارة العلاقات العامة، وأمارس مع موظفيها ذات السلوكيات الموصوفة أعلاه، لم أكن أتصور أن يوجد مفهوم العمل والجدية إلا في القطاعات المسؤولة عن التشغيل! موارد بشرية (لك عليهم)، المالية (يجي منهم بعض الأحيان)، تقنية المعلومات (سوي رِسِت)، وأما العلاقات العامة (صفر.. لم ينجح أحد). التشغيل ولا غير التشغيل.. ما عدا ذلك فهو مجرد وزن زائد.

نظرة وتصور خاطئان تماما لهذه الإدارات، خاصة العلاقات العامة، نظرة وتصور لم يتغيرا لدي إلا قبل خمس سنوات، بعد أن اكتشفت أن العلاقات العامة هي الجهة المسؤولة عن سمعة الكيان الذي تنتمي إليه، وأنها هي الجهاز الرابط بين الكيان وجماهيره الداخلية «الموظفين» والخارجية «العملاء»، العلاقات العامة هي المصدر الموثوق لأي معلومة تتعلق بجهة العمل، وهي عرين المتحدث الرسمي، والجهة الوحيدة التي تخاطب الإعلام بجميع فروعه وتصدر البيانات، وهي المخطط والمنسق والمنفذ للمناسبات التي ينظمها الكيان. العلاقات العامة هي الإدارة التي تضع برامج المسؤولية الاجتماعية وتنفذها، وهي المسؤولة في المقام الأول عن إدارة واحتواء المشكلات والأزمات.

لقد عرفت أن المهندس - باختراعه ومجهوده العظيم في التشغيل - بدون دور العلاقات العامة ينطبق عليه المثل «ومين شافك يلي في الظلام تغمز». إن الولاء والانتماء والقوة الناعمة أمور ضرورية، وعوامل في غاية الأهمية لنجاح أي كيان، وهذا ما يستشعره المرء وهو يرى أخبار الجهة التي يعمل فيها تتصدر الصفحات الأولى للصحف والمجلات، وتظهر في أهم القنوات الفضائية، أو يرى شعارها يُزين قميص فريق رياضي مشهور، أو مطبوعا على دراجة نارية أو سيارة سباق، وتستشعر ذلك أيضا حين ترى شخصا يتمنى ويطمح إلى الالتحاق بالجهة التي تعمل فيها، لما يعرفه عنها من معلومات ومزايا محفزة.

ختاما، أستطيع أن أقول - ومن تأملات شخصية بحتة - إن المئة سنة الماضية ما بين عامي 1920 و2019 يمكننا تقسيمها إلى ثلاث فترات متساوية في المدة على وجه التقريب، كانت فيها السيطرة على العالم في الفترة الأولى للقوة العسكرية، ثم تلتها الفترة الثانية وكانت فيها السيطرة للمال والتجارة والصناعة، أما الفترة الثالثة والأخيرة والتي نعيشها الآن، فالسيطرة فيها أصبحت حكرا على من يمتلك مؤسسات علاقات عامة محترفة، وإعلاما قويا يؤدي دوره باقتدار وتمكن.

عليه، وبناء على كل ما سبق أعلن توبتي وتراجعي عن قناعاتي القديمة، وارتدائي (للكبكات والثياب البيضاء والغتر السويسرية).

ALSHAHRANI_1400@