شاكر أبوطالب

مكافحة التطرف في الرياضة!

الاحد - 10 نوفمبر 2019

Sun - 10 Nov 2019

يرى الفرنسي «غوستاف لوبون» أن الجماهير من أهم القوى في العصر الحديث، ورغم ذلك يجب إدراك أن الجماهير دائما غير عقلانية وهدامة، لأن الفرد يتحرك بوعي، بخلاف الجمهور الذي يتحرك دون وعي، ولذلك فإن دور الجماهير دائما لا يكون في البناء، إنما في الهدم، فمعظم الحضارات بناها نخبة قليلة من القادة والساسة، بينما لعبت الجماهير الدور الأكبر في هدم معظم الحضارات وتدميرها.

هذه المقدمة هامة للانتباه إلى خطر المحتوى المتطرف الذي يقدمه بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير من الصحفيين والمذيعين العاملين في المجال الرياضي، وتحديدا شؤون كرة القدم التي بلغ فيها السيل الزبى، حيث يزداد التعصب على مدار الساعة، وقد خرج عن أدوات المجال الرياضي ومعاييره، فتم إقحام الدين والوطنية والذوق العام في القضايا الرياضية، هذا التعصب المتواصل تجري تغذيته من قبل برامج رياضية تبث عبر قنوات تلفزيونية حكومية ورسمية، وكأنما «المخرج عايز كده»!

هناك محاولات فردية لتعرية تأجيج الجماهير وشحنها بمحتوى سلبي، معظمها تستخدم منصة «تويتر» لمكافحة التطرف داخل الوسط الرياضي، وبعضها يسعى لمحاربة التناقض وفضح الغباء في معظم أطروحات المشاهير في الوسط الرياضي، خاصة أن معظمهم قفز بسرعة البرق من المدرج إلى المنبر الإعلامي، ليواصل ترديد محتواه المتواضع فكرا وأخلاقا، وأحيانا البذيء فكرة ولفظا، دون مراعاة للاعتبارات المهنية على الإطلاق، ودون حياء أو خجل من الأطفال والنشء المهتمين بالرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.

في معظم البرامج التلفزيونية المتخصصة في كرة القدم، استطاعت ثقافة التشجيع والتعصب التغلب على ثقافة القانون والامتثال للمهنية وأخلاقيات المجتمع، وتغييب المنطق بحجة إضفاء جرعة من المشاكسة والمناكفة و»الطقطقة» في الشارع الرياضي، وربما لكسب مزيد من الأتباع في وسائل التواصل الاجتماعي، ومهما تكن الغاية من كل أطروحة أو فكرة لا تضيف أية قيمة، فإنه يجب التنبه إلى أن تأجيج الجماهير وإذكاء التناحر والتنافر فيما بينها آثاره خطرة جدا.

في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، يستطيع مالك القرار الإداري والمهني إيقاف بث هذا المحتوى الهابط، الذي يؤسس لمزيد من الأطروحات المتطرفة، وتشويه المجال الرياضي القائم على قيم التنافسية وأخلاقية عالية، ويسهل على صاحب القرار التذكير فقط بالسياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية وإعادة إرسالها لجميع العاملين في مجال الإعلام الرياضي، وتطبيق الأنظمة والقوانين واللوائح المقننة للممارسات الإعلامية والصحافية.

ما يدفعني للكتابة هنا هو استشعار الآثار المدمرة لمواصلة بث محتوى إعلامي يشجع انتشار الكراهية والتعصّب والكذب والتزوير، ويعزز تمرير قضايا الفساد والظلم في المجال الرياضي ضمن سياق ساخر، ويسلب الآخر معظم حقوقه في الاختلاف، ما سبق وغيره ليس حكرا فقط على الشأن الرياضي، بل يدخل ضمن تنشئة الفرد والمجتمع، لنكتشف بعد فوات الأوان أنه تشكل لدينا جيل متطرف ليس فقط في الرياضة، وتعوزه كثير من القيم الأخلاقية والمهنية، وكل ذلك نتيجة التساهل والتهاون مع محتوى البرامج التلفزيونية والإذاعية الموجهة للجماهير الرياضية، خاصة مشجعي أندية كرة القدم.

shakerabutaleb@