عبدالله محمد الشهراني

فاضل رولكس.. الحلقة الأخيرة

الأربعاء - 23 أكتوبر 2019

Wed - 23 Oct 2019

حاول فاضل أن يجد طريقة تمكنه من الاستغناء عن ساعة رولكس، لكنه تفاجأ بأن الساعة لها مدلول مهم وأنها أمر يحرص عليه كل لاعبي القولف، بل إن البعض منهم تتجه عينه مباشرة - ومنذ الوهلة الأولى - إلى معصم الشخص الذي يقابله. تلك كانت المفاجأة، لكن الصدمة كانت عندما تجاوز سعر الساعة القيمة المتوقعة في مخيلة فاضل بمراحل. كان الأمر أبعد مما كان يتصور بحق!

عاد فاضل إلى المنزل بعد جولة محبطة في السوق، ألقى السلام على عائلته المتواجدة في غرفة المعيشة متوجها إلى غرفة النوم، تمدد على السرير وبدأ يقص على زوجته المعضلة الجديدة التي يمر بها. طلبت الزوجة من فاضل أن يرتاح مختتمة كلامها بـ «سيفرجها الله».

تركته ليستريح لتبدأ هي بالتفكير، وعندما استيقظ وجدها عند رأسه مستعدة لطرح فكرتين يمكن أن تساهما في الحصول على ساعة رولكس، الأولى: بيع ما يمكن بيعه من المقتنيات الشخصية له ولها وللأولاد وشراء الساعة، أما الفكرة الثانية فهي محاولة استعارة الساعة من شخص يثق به. فرح فاضل بالفكرة الثانية، إذ إنه ما زال يذكر أن أحد زملائه أثناء الدراسة في كلية الهندسة كان يمتلك ساعة رولكس. توجه فاضل إلى زميله - الذي لم يره منذ زمن - والخجل يملؤه والانكسار، فالطلب صعب ومحرج، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كيف سوف يقنع زميله بالهدف من وراء استعارة الساعة. قرر فاضل أن يقول الصدق، فقصّ عليه الفكرة وأخبره بأنه لم يتبق له سوى ساعة رولكس لإنهاء هذه المهمة التي ربما تستغرق قرابة الشهر. فاضل رجل صالح معروف بين زملائه وأقاربه، لذا كان رد زميله «أنت رجل ثقة، هاك الساعة ولا داعي للضمانات التي قدمتها، وأتمنى أن تكون فأل خير عليك». فرح فاضل جدا، إذ إنه لم يكن يتصور أن يحصل على الساعة بكل هذه البساطة.

جهز فاضل خطته بعد أن عرف اليوم والوقت الذي يتواجد فيه الأشخاص المستهدفون في نادي القولف. استهدف فاضل شخصيتين، الأولى صاحب أكبر شركة مقاولات في البلد (خيرالدين)، والثانية (صالح) الذي سوف يكون بمثابة خيار بديل في حال عدم مقدرته على الوصول إلى الشخصية الأولى. اليوم السبت الوقت السابعة صباحا المكان نادي القولف الملكي. قبيل الخروج من البيت أراد فاضل أن يلتمس البركة والعون من الله، صلى الفجر في المسجد، تواصل مع والديه طالبا منهما الدعاء، قبّل كل أفراد أسرته ثم توجه إلى النادي متوكلا على الله.

دخل فاضل إلى النادي وإذا به يجد مباشرة أمامه الشخصية الثانية (صالح)، وأخذ يحدث نفسه.. لعلها الخيرة، اقترب منه قليلا ثم ألقى التحية ملوحا بيده، أشار صالح إلى فاضل بأن يقترب، ثم قال له «وجه جديد؟»، نعم.. اسمي فاضل عدت من أمريكا مؤخرا، ماذا كنت تعمل هناك؟ كنت أحاول أن أقيم مشروعا كبيرا لكني تراجعت وقررت العودة إلى بلدي، وأن أبدأ مشروعي هنا، وما هو مشروعك؟ شركة مقاولات صغيرة متخصصة في التمديدات الكهربائية، وهل بدأت؟ نعم لدي مقر ومهندسون وعمالة وبعض المعدات الضرورية، لكن للأسف لم أظفر بأي مشروع حتى الآن، فاضل! نعم!!، أنت رجل محظوظ سوف أجعلك تقابل شخصية تمتلك أكبر شركة مقاولات في البلد «يا فرج الله»! لم يكن فاضل يتصور أبدا أن الشخصية البديلة «صالح» هي نفسها التي سوف توصله إلى الشخصية الأولى «خيرالدين». سأل فاضل صالح وهو يعرف الإجابة «وكيف سأقابله؟ وأين؟ ومتى؟»، الآن وهنا! لحظات وسوف يصل.

وصل خيرالدين، شيخ كبير في السن، ألقى السلام عليهما. مباشرة قامت الشخصية الثانية بتقديم فاضل له: هذا ابن بلدنا قد أنشأ شركة مقاولات صغيرة متخصصة في التمديدات الكهربائية بعد عودته من أمريكا، ولحداثة شركته لم يظفر حتى الآن بأي مشروع، ونريد أنا وأنت أن نساعده، لا مشكلة دعه يتول مهمة التمديدات في المشروع الفلاني.

يقول فاضل بالنص: من شدة الفرح أصابني دوار (دوخه) قاومته بكل قوة. استأذن فاضل من الرجلين بذريعة الذهاب إلى الحمام، وفي الواقع أراد فاضل البكاء لكن بعيدا عنهما، أراد أن يسجد لله شكرا، إذ إنه لم يتوقع أبدا نجاح المهمة بتلك السرعة والسهولة.

لم يكن فاضل محظوظا

كما قال صالح، بل كان متوكلا على الله مجتهدا يتقن التخطيط. ولا زلت أتذكر دموع فاضل وهو يقص علي هذه القصة في مكة المكرمة سعيدا بكرم الله وفضله عليه. ولعل هذه الحلقات كانت فرصة سانحة وطيبة لكي نترحم على المهندس فاضل الذي انتقل إلى رحمة الله قبل بضع سنوات.

وحتى لا أختتم الرواية بهذا القدر من الحزن أورد لكم ما حدث مع الساعة الرولكس: لقد توجه فاضل بالساعة إلى صاحبها وقال له بالنص «لقد كانت ساعتك فأل خير وبركة بالفعل، لذلك أمامك خياران: إما أن أدفع لك المبلغ الذي تريده مقابل شرائها منك، أو تتصل بالشرطة وتبلغهم بوجود لص في منزلك».

ALSHAHRANI_1400@