فارس الهمزاني

.. سابقا

الاحد - 20 أكتوبر 2019

Sun - 20 Oct 2019

تسير بنا الحياة الوظيفية دائما نحو التغيير وهذا جزء من جمالياتها التي تمنحنا في كل مرة التجديد والتطوير ومواكبة التحسين في الأداء والأفكار، وحتى على مستوى نشاط المنظومة، وهذا يأتي بالتأكيد عبر تغيير القيادات. فجاء علم الإدارة ليكون فاصلا في كثير من الشؤون الإدارية التي تعتمد كليا على الإنسان، كما أسهمت النظريات الإدارية في صنع البدائل لضمان سيرورة العمل الإداري.

لو دامت لغيرك ما وصلت إليك! هذه المقولة فيها دلالات عظيمة ورسائل محفزة للعطاء والإنجاز ووضع بصمة خلال فترة زمنية كونها تؤكد للقائد الذي تولى الكرسي بأن التغيير قادم، وأن مكانك مؤقت، سواء كان تشريفا أو تكليفا، وهنا بينت لنا علوم الإدارة أنه عندما يكون الشخص أكبر من المنصب تجده إنسانا متواضعا وعادلا ومنتجا، وعندما يكون المنصب أكبر من الشخص تجده مغرورا وظالما!

حكى لي صديق أن مديره بعد أن تم تغييره رفض الخروج من المكتب، وبعد محاولات عدة خرج ومعه الكرسي وتحويلة الهاتف! وأذكر ذات مرة أنني دخلت على موظف في مكتبه ووجدته واضعا اللوحة التعريفية باسمه والمنصب فوق الدولاب وليس على طاولة المكتب، وعندما سألته قال: كنت مدير الإدارة «سابقا» وجاء مدير جديد (ثم حكى لي حكاية أيقنت أنه لا زال يحلم بالكرسي؛ لذلك وضع اسمه فوق الدولاب حتى يبين للآخرين كيف كان)!

بجولة بسيطة في معرفات تويتر والبايو قد تجد من وضع كلمة وكيل وزارة، مدير عام، عميد، رئيس.. إلخ ثم يضيف الكلمة السحرية «سابقا»، والتي يظن أنها تمنحه سر التميز والخلود والبقاء في دائرة الضوء! بل الأمر تعدى ذلك وأصبح بعضهم يطبع بطاقة الأعمال ويكتب عليها جميع مناصبه مذيلة بالمفردة العجيبة «سابقا» وكأنها جواز سفر للعبور إلى عالم المناصب!

هذه الفئة من المؤصدة عقولهم والمشبعة بهوس الكراسي، فهم يشتاقون إلى المنصب ويظنون أنفسهم معمرين وأن طاقتهم وأفكارهم قابلة لكل زمان ومكان! يغازلون الكراسي وهم يلهثون إلى حد البحث عن وساطات للتمديد، لأن ذلك يعني في عقولهم أن الاحترام والتقدير والجاه والخدمات اللوجستية التي تأتي مع المنصب سوف تزول دون عودة!

وهذا يدعوني لأهمية تطبيق مفهوم تعاقب القيادات الإدارية الحكومية عبر توفير مسار استراتيجي لتطوير مرشحين جدد وتجهيزهم لشغل المناصب، وربط البقاء بالمنصب بحد أقصى للسنوات، كما هو معمول به في المناصب القيادية بالجامعات.

إن إيجاد معايير واضحة للاختيار والترقي للمناصب القيادية وبناء وإعداد صف ثان من القيادات يسهمان في مواصلة مسيرة العمل وفق رؤية واضحة. وهذا يستشعر أهمية وجود جهة مستقلة ومحايدة لاكتشاف القيادات على مستوى الأجهزة الحكومية، وفق اختبارات تتعلق بمؤهلات وسمات القائد من جميع الجوانب.

معرفة من سيكون القائد في المرحلة المقبلة سوف تخدم المنظومة من جهتين، الأولى بأن يعرف القائد الحالي بأنه راحل ودوره يعمل على تعزيز وبقاء الاستراتيجيات المتفق عليها مع القائد المرشح، حتى يضمن الاستمرارية على النهج والتوجه نفسه، والجهة الثانية هي الجانب الإيجابي للقائد المرشح الذي سوف يعمل بطاقة وحيوية، مما يساعد على خلق بيئة إيجابية في منظومة العمل ودعم للمبدعين والمتميزين.

faresalhammzani@