عبدالله المزهر

وسخ الدنيا الذي تكشفه النار!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 30 سبتمبر 2019

Mon - 30 Sep 2019

يقال بأن محطة قطار الحرمين في جدة كلفت الكثير من الأموال، والحقيقة أني لا أود ذكر الرقم لأني أتعب نفسيا عند ذكر مبلغ أكبر من ألف وخمسمائة ريال. ولا أعتقد أنه سيكون لدي القدرة على إكمال المقال لو كتبت الرقم الذي يقال بأنه تكلفة إنشاء المحطة.

لا أقول إن الرقم مبالغ فيه، فالعارفون بالأموال والكتف والمكان المناسب لأكلها يعلمون ذلك أكثر مني بالطبع، وقد تستحق أكثر من ذلك، لكن المشكلة أن المحطة لم تعد موجودة في هذه اللحظات التي أكتب فيها. فقد التهمها حريق لم يبق منها إلا مكانها، ولحسن الحظ أن هذه الكارثة وقعت قبل أن تبدأ المحطة في العمل ولم يكن هناك خسائر بشرية على حد علمي.

وأصدقكم القول إني في لحظات عابرة أثناء التدبر والتمعن في الأرقام وكمية الأموال التي دفعت في هذا المشروع، كانت تخطر لي وساوس شيطانية والعياذ بالله من إبليس الرجيم وأعوانه، كان وسواس يقول لي: كيف يمكن أن تدفع كل هذه الأموال على مشروع بهذا الحجم ثم تعجز أنظمة السلامة الخاصة به في احتواء حريق قبل أن يلتهم كل شيء؟ ثم يقفز وسواس آخر يحدثني عن طريقة استلام المشروع ـ إن كان تم استلامه بالفعل، وعن مواصفاته ومن صممها ومن وافق عليها واعتمدها. أستعيذ بالله من الوساوس وأعود للتأمل في الأرقام، لكن الأمر لا يطول قبل أن يأتي وسواس آخر يقول لي: هل فكرت في المدة التي استغرقها الدفاع المدني للسيطرة على الحريق؟ ثم يقول ذلك الوسواس اللعين متهكما: هل تعلم أيها البائس أن الوقت الذي قد يستغرقه ذلك الحريق حتى يخمد من تلقاء نفسه دون تدخل من أحد لا يختلف كثيرا عن الوقت الذي يتطلبه إخماد الآخرين له؟!

لكن ألعن الوساوس وأكثرها شرا كان ذلك البغيض الذي يقول بطريقة لا تخلو من اللؤم: لقد انكشفت عيوب هذه المحطة لأن حريقا قد وقع فيها والتهمها وأخفاها من الوجود، لكنك لا تعلم على وجه اليقين كم من مشروع بحاجة إلى حريق مماثل حتى يخرج الفساد من تحت الرماد.

وعلى أي حال..

المال وسخ دنيا ـ كما تعلمون ـ ولا يجب أن نتوقف كثيرا لمجرد خسارته على أشياء قابلة للاختفاء قبل استخدامها، وليست مشكلتي مع المال، مشكلتي أنني أظن أن بعض البشر هم من أوساخ الدنيا أيضا، والأناني الذي لا تهمه إلا مصلحته الضيقة حتى ولو على حساب حياة وأرواح الآخرين، والممتلكات العامة في نظره ليست أكثر من فرصة سانحة لملء جوفه النهم؛ لا شك أنه أوسخ من المال ومن أي شيء آخر.

agrni@