عبدالله المزهر

لأنه كل شيء !

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 19 سبتمبر 2019

Thu - 19 Sep 2019

حب الوطن أمر تشترك فيه كافة المخلوقات الحية، وأظن أن الجمادات أيضا لديها شيء من هذا، ولكنها لا تجيد التعبير عن نفسها لتؤكد لنا هذا يقينا، والذي لا يحب وطنه إما أنه لا يعلم ما هو الوطن أصلا، أو أن وجوده فقط لإثبات فكرة أنه لا قاعدة بلا شواذ.

الناس في كل مكان يؤمنون بأن أوطانهم هي أجمل الأوطان، ليس لأنها كذلك بالفعل، ولكن لأن الحب لا يلزمه التبرير.

ونحن نحب السعودية حبا فطريا كما يشعر الناس جميعا تجاه أوطانهم، ونحبها حبا مبررا كما يحب الناس الأشياء الجميلة بالفعل.

لدي قناعة لا يخالطها شك بأن معنى الوطن دائما أكبر من أي أحد، وأعظم من أن يختصر في أشخاص، وأن الوطن هو «المواطن» وكل التفاصيل التي يعيشها، التفاصيل الصغيرة والكبيرة، هو الذكريات والطرقات والمباني والتضاريس، الناس الذين نحبهم والناس الذين لا نحبهم. هو اللحظات التي مرت واللحظات المرتقبة، هو دعاء الأمهات وآمال الآباء وأحلام الصغار. أصوات المآذن وابتهالات الانكسار التي تذهب إلى السماء، وصرخات الفرح وقصائد الشعراء، هو وجه المحبوبة والبحة في صوت المغني.

هو الأصدقاء الذين جمعكم بهم الوطن، هو لهجة صديقك في الطرف الآخر من هذا البيت الكبير التي تحاول تقليدها وأنت تتحدث معه، هو الرقصات والأغاني والنقوش والأزياء، هو هذا المزيج من كل الأطياف، هو هذا التنوع الذي يشعرك بالعظمة في كل تفاصيله، هو كل شيء.

لكن مع هذا فإن كل محب لهذا الوطن العظيم مدين بالامتنان له وحده وجعله أمة واحدة، ومدين بالامتنان لكل من حافظ على هذا البناء قويا شامخا عزيزا حتى الآن، ومدين بالامتنان لكل من يسعى ليكون كذلك دائما.

وتتفق أو تختلف مع السعودية والسعوديين، تحبهم أو تكرههم فإنك إن كنت منصفا يجب أن تعترف بأن مؤسس هذا الكيان صنع شيئا عظيما من عدم، وأن السعودية نفسها لم تكن عبئا على العالم، وأنها يد ممدودة للجميع تحب السلام وترغب أن يحبه الجميع، وأنها استفادت من موارد يملك مثلها وأكثر منها آخرون غيرها ولم يصنعوا شيئا مما صنعته.

نختلف ونتفق، نخطئ ونصيب، نرفع أصواتنا، نشتم بعضنا أحيانا، لكني مؤمن أن الغاية التي يجب أن تدفعنا لكل ما نفعله ونقوله هي أن يكون وطننا أكثر تألقا وجمالا.

نعترض، وننتقد بحدة، لكن يجب أن يكون الحب دافعنا، والحرص على تماسك البنيان غايتنا، نبحث عن الأخطاء ونظهرها لأننا نريد أن نكون الأفضل دائما، نصرخ ونحتج لأننا لا نريد أن نكون في مسيرة النجاح فحسب، بل نريد أن نقودها.

وعلى أي حال ..

سيجتاز بنا وطننا كل الصعاب، وسنعبر إلى الضفة الأخرى سويا كما نفعل في كل مرة، وسنعود ننتقد بعضنا ونقسو على بعضنا ونحب بعضنا، ونتجاوز أخطاءنا وعثراتنا، ونسير معا إلى غايتنا التي سنصلها بإذن الله، والتي لا يعرفها ولا يفهمها ولا يستسيغ وجودها أولئك الذين كان الخراب وما زال هو الغاية من وجودهم، وغاية ما يسعون إليه، وأفضل ما يبرعون فيه هو تجريد البشر من آدميتهم وكرامتهم وحياتهم.

agrni@