عبدالله المزهر

«اللا أعلميون» هم من سينقذ الكوكب!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 16 سبتمبر 2019

Mon - 16 Sep 2019

أنتظر بفارغ الصبر أن يظهر ذلك المحلل الاستراتيجي أو الخبير السياسي أو عالم الدين أو المثقف التنويري على إحدى شاشات القنوات الفضائية ثم يسأله المذيع: ماذا يحدث؟ ويجيبه بكل ثقة: لا أعلم.

والحقيقة أني أنتظر ذلك لأني أبحث عن مصدر ثقة أفهم منه ماذا يحدث في هذا الكوكب، ولا أعتقد أن هنالك شخصا أجدر بالثقة من شخص يكون واثقا من نفسه وهو يقول لا أعلم.

لكن هذا الحلم بعيد المنال فيما يبدو، فالكل يفهم في كل شيء، والكل لديه القدرة على الانطلاق في الحديث عن أي شيء حتى لو كان يسمع له للمرة الأولى. ولم يعد الأمر قاصرا على من يسمون أنفسهم بالمحللين والخبراء بل إن أي حساب في تويتر يمكن أن يفتيك دون تردد في ميكانيكا الكم وفي أسعار الشعير وفي الاحتباس الحراري وأسباب البطالة في القوقاز وأمراض السمنة والأحكام الفقهية وتخريج الأحاديث وتفسير الظواهر الكونية وخطط مدربي كرة القدم. يمكن أن يفعل كل ذلك في ساعة واحدة مع أنه لم يقرأ في حياته كتابا غير الكتب المدرسية أيام الامتحانات، أو ملخصاتها بمعنى أدق.

والحقيقة أني أفعل شيئا من هذا القبيل وأتحدث في كثير من الأمور خشية أن يكتشف الآخرون جهلي، لكني أعذر نفسي لأني قرأت بعض الأشياء غير الكتب المدرسية مثل «كتالوجات» الأجهزة المنزلية التي اشتريتها، وأقرأ في أحيان أقل المنشورات التي تأتي في علب الأدوية، ومع هذا العلم الغزير فإني أعرف حدودي ولم يسبق أن تحدثت عن البطالة في القوقاز.

والثرثرة ليست أمرا سيئا، لكنها من متع السعة، ففي أوقات السعة لا ضير في أن تبدو عالما وأنت تظهر على شاشات التلفزيون لأن علمك لن يضر ولن ينفع، لكن في وقت الأحداث الصعبة يبدو ضروريا أن يتحدث للناس شخص مطلع ولديه شيء يفيد من يريد أن «يطمئن قلبه».

وفي الأزمات الكبرى والمشكلات السياسية المعقدة والأمور التي تشغل تفكير الناس وتثير قلقهم، فإن ظهور محلل كروي يعلم الناس يقينا أنه لا يفقه شيئا حتى في كرة القدم التي هي مصدر رزقه، ليحدث الناس عن السياسات وعلاقات الدول وما وراء الأحداث؛ يبدو ضربا من الجنون والعبط والاستهتار واسترخاص عقول الناس.

وعلى أي حال..

في النقاشات الجادة والتي يفترض أن هدفها نشر الوعي والحقيقة فإنه يفترض أن يكون لدى المتحدث رؤيته الخاصة التي يقدمها للآخرين، أن يجيب فيما يفهم ويقول بثقة إنه لا يعلم حين يكون كذلك. ولكن الواقع يقول إن كل واحد من هؤلاء يبيع الكلام الذي يوافق توجه القناة التي يظهر فيها، وإن الحقيقة الوحيدة التي يؤمن بها هي أن «أكل العيش يحب الخفية»، وإن كل أزمة هي فرصة سانحة للتكسب وبيع المواقف والآراء حسب رغبة الزبون.

agrni@