عبدالله الأعرج

هل السوشال ميديا مصدر موثوق لاختيار القيادات؟

الاحد - 25 أغسطس 2019

Sun - 25 Aug 2019

كنت أفكر قبل أيام في ذهنية صنع القرارات لدى أي مسؤول، ومدى حرصه ودقته في اختيار القيادات بشكل مهني وعملي يضمن جودة الاختيار وإشباع حاجات المنظمات من الكفاءات المتألقة قولا وفعلا.

فكرت في ذلك، وبدأت في حصر الروافد التي ربما يستقي منها المسؤول قراره النهائي حول اختيار شخصية ما للقيام بمهام قيادية في منظمة ما، فقلت إنه لا بد أن يكون منها: السمعة الحسنة للمرشح، الخبرة التراكمية الطويلة والمتنوعة، احتياج المرحلة، وربما عدم وجود البديل المناسب الذي يضمن سير العمل بشكل أفضل مما كان عليه!

انتقلت بعدها للتفكير بالأدوات التي تعين المسؤول على اتخاذ قرارات بهذا الحجم، فوصلت إلى أن القناعة الذاتية لديه بأهلية موظف ما لشغر منصب قيادي ما أحد هذه الروافد، ووجدت أيضا أن الشواهد العملية والتزكيات والمواقف المفصلية السابقة والتوجه الأيديولوجي ومواكبة المستجدات وصنع قرارات ناجحة سابقة؛ كلها أدوات يستعين بها المسؤول لاتخاذ قراره حول جدوى ترشيح شخص ما لقيادة منظمة ما.

وبعد كل هذا قفزت إلى ذهني أداة حديثة جدا وهي السوشال ميديا عموما وتويتر خصوصا، والتي قد تكون عنصرا مساعدا لقراءة فكر الإنسان واستجلاء طبيعته وتوجهاته حول الحياة والعلوم والعمل وغيرها، وربما عززت أو تباينت مشاركات المرشح فيها مع الصورة النمطية له أمام صناع القرار، مما يجعل المسؤولين يمضون قدما في ترشيحه أو يحجمون وفقا لتقديرهم المهني، وربطهم المنطقي لما يقوم به، مع ما يحمله من توجهات عملية على صفحات تلك الوسيلة التواصلية التي اكتسحت الساحة بكل اقتدار!

تويتر - كإحدى هذه الوسائل المؤثرة - بات اليوم ملعبا مكشوفا لكل المتفرجين، ومكانا عاما وجميلا للاستزادة من الفكر الجميل والتفكر في توجهات الناس الحياتية بتعقيداتها وببساطتها أيضا، تويتر أيضا أصبح منجما لمعرفة أصحاب الهموم الكبيرة، وبالمقابل أصحاب القضايا الخجلى والمخجلة، تويتر أيضا جعل المتلقي أكثر وعيا من خلال مساءلته لما يكتب واستيضاحه لما عز فهمه، بل إنه منح المتلقي فرصة إبراز مواهبه من خلال إضافة ردوده أو توسيع دائرة نقاشه أو مقابلة الرأي بالرأي المضاد أو إثبات صحة أمر ما أو نفيه، وكل هذا كما قلت على مرأى من جمهور يبدي رأيه ويتفاعل بشكل أو بآخر مع تلك المواضيع.

ولأن تويتر كأي وسيلة تواصل لن يكون خاليا من السلبيات التي يصنعها رواده، فإن مساحة ما من الحذر حول ادعاءات مرتاديه للمثالية والعملية والواقعية والنرجسية وربما الأفلاطونية ستظل قائمة في الأذهان، مما يضيف عبئا على المسؤول وهو يقوم بعملية الموازنة والمواربة والتمحيص والربط بين الأفكار واستخلاص النتائج، قبل صنع قرار يرجو من خلاله إيجاد شخصية مناسبة للقيام بعمل مهم في منظمة ما، والسير بها نحو آفاق من التطوير والإنجاز.

مجمل القول إن صنع القرارات الكبيرة كاختيار القيادات في العصر الحاضر أصبح غاية في السهولة وغاية في التعقيد في الوقت نفسه، فعلى الرغم من أن الأدوات التي تعين المسؤول على اختيار الأكفاء تعددت وتنوعت، ومنها وسائل التواصل، إلا أنها أيضا ألقت على كاهله بحمل إضافي هو التأكد من تناغم ما يطرحه المرشح في هذه الوسائل مع ما يقوم به فعليا في بيئة العمل، ثم الانطلاق بعد ذلك لقراءة المشهد الفكري القيادي والإداري للمرشح من خلال تحليل المسؤول لما يطرحه المرشح من نصوص، ودراسة أثرها الإداري والقيادي المستقبلي قبل صنع قرار الترشيح من عدمه.

وحين نفعل ستنعم المنظمة - دون شك - بكفاءة إدارية معتبرة وضعت قواعدها على أرضية صلبة، وستستطيل أعمدتها غدا إلى مرتقيات معتبرة من الإنجاز والتفرد والنجاح للمنظمة بإذن الله.

dralaaraj@