محمد الحربي

الذوق العام.. حياة لخير أمة

السبت - 13 يوليو 2019

Sat - 13 Jul 2019

تزهو حضارة الأمم وتنمو بقيمها ومبادئها الإيجابية التي تميزها عن غيرها وتسهم في بقائها، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

لقد رسخ القرآن الكريم هذه الحقيقة بوصفه الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، وحث على مكارم الأخلاق في كثير من آياته، ونعت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم، حيث كانت أخلاقه نبراسا للمسلمين ومنهاجا يحتذى به على مر الأزمان.

استمرارا لنهج حكومة المملكة العربية السعودية في الإسهام بتعزيز القيم والمبادئ الإيجابية، أقر مجلس الوزراء اللائحة التنظيمية للمحافظة على الذوق العام، والتي عرفت الذوق العام بأنه «السلوكيات والآداب التي تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته». وأشارت في بنودها إلى وجوب احترام القيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المملكة، وعدم الظهور في الأماكن العامة بزي أو لباس غير محتشم، أو يحمل صورا أو أشكالا أو علامات أو عبارات تسيء إلى الذوق العام، وبأنه لا يسمح بأي قول أو فعل فيه إيذاء لمرتاديها، أو إضرار بهم، أو يؤدي إلى إخافتهم أو تعريضهم للخطر.

بموازاة ذلك، دشن أمير منطقة المدينة المنورة مبادرة «خير أمة» التي تهدف إلى تعزيز وترسيخ القيم الأخلاقية ومفاهيم التعايش والتلاحم، واستثمار مكانة المدينة المنورة الدينية والتاريخية والثقافية في تنمية المجتمع، وتفعيل الممارسة السلوكية للأخلاق، وبناء برامج داعمة للقيم ومعززه للسلوك الإيجابي، وذلك من خلال تنفيذ 12 مبادرة، و100 فعالية، وعدد كبير من البرامج تستهدف مليون مستهدف من المواطنين والمقيمين في طيبة الطيبة، الذين يمثلون مختلف شرائح المجتمع تأتي في مقدمتهم الأسرة التي تعد المنشأ الرئيس لبقية الشرائح من الطلبة والمعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات والموظفين والموظفات بمختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية والأهلية.

بالاطلاع على اللائحة التنظيمية للمحافظة على الذوق العام، والكتيب التعريفي الخاص بمبادرة «خير أمة»، يتضح سمو الأهداف ونبل الغايات التي يسعى القائمون عليها لتحقيقها من خلال تنفيذ مشاريعها وبرامجها وأنشطتها، وتطبيق لوائحها المتعلقة بالمكافآت وعقوبات المخالفات المنصوص عليها، وهذا إنجاز فريد ومميز، لكن كيف يمكن تحويل كل ذلك من مجرد لوائح وأنظمة ومشاريع وبرامج إلى أسلوب حياة؟ خاصة أن الشباب يشكلون من مجتمعنا 60 % تقريبا، وهي نسبة كبيرة تلقي بمسؤولية عظيمة على كاهل المجتمع مؤسسات وأفرادا.

لقد أثبتت التجارب والدراسات أن التنظير لا يكفي لغرس القيم والمبادئ الإيجابية في الناشئة وتعزيزها لدى المراهقين والشباب، ومن هنا يأتي التأكيد على أهمية القدوة الإيجابية، ابتداء من الأسرة ودور الآباء والأمهات في التحلي بالأخلاق الكريمة كالصدق والأمانة وطاعة الوالدين، والتعامل الراقي في حياتهم اليومية مع الأبناء واستخدام الألفاظ اللطيفة والمؤدبة، كالسلام عليكم، من فضلك، لو سمحت، شكرا، سم وأبشر، وهذه الأساليب تغرس في نفوسهم القيم والمبادئ الإسلامية ليمارسوها بصورة طبيعية، وكأنها أمور مسلمة لا يحتاجون معها إلى استمرار وتكرار النصح والتوجيه من والديهم.

تأتي بعد ذلك مسؤولية المدارس والجامعات التي تستقبل أبناء المجتمع بمختلف الشرائح العمرية، حيث تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة للمحافظة على ما اكتسبه الأبناء من أخلاق كريمة والعمل على تعزيزها، وإكسابهم قيما ومبادئ إيجابية تتناسب مع مراحل نموهم العقلي والنفسي، لعل منها: المحافظة على الصلاة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وصدق الولاء والإخلاص والانتماء للوطن، والنزاهة وحماية الممتلكات العامة، والاعتماد على الله أولا ثم على أنفسهم، والحوار والتعايش مع الآخرين بما يخدم أهداف وغايات المجتمع، وأن تصبح ممارسات الذوق العام أسلوب حياة لخير أمة.