أفنان محمد حياة حياة

تحديات الصحافة

الاثنين - 08 يوليو 2019

Mon - 08 Jul 2019

فيما يتنبأ البعض بأن تتحول معظم الصحف الورقية إلى الالكترونية، مؤكدين أنها لم تعد سوى مسألة وقت، وقرار يجب أن تتبعه إدارة الصحف الورقية للحفاظ على اسمها إذا أرادت البقاء، إلا أنني أجد تحولها إلى نسخة الكترونية دون دراسة ومعرفة عميقة سيجعلها تواجه مصيرها الورقي دون شك.

حينما نتحدث عن تأثير التكنولوجيا لا يمكن أن نقتصر على المتلقي (الفرد) وتغير عاداته الاتصالية واختيار الوسيلة، فالتكنولوجيا أتاحت الفرصة أيضا أمام الجهات والمؤسسات بأن تكون هي ذاتها أدواتها لنشر الأخبار والمعلومات بطرق مختلفة، فالمؤسسات والجهات التي كانت تعتمد على الصحف وشعبيتها وجماهيريتها للوصول إلى كل الأفراد أو الجماهير المستهدفة في مختلف المناطق، أصبحت هي نفسها وبفضل التقنية تستطيع أن تصل دون مساعدة الصحف بواسطة الاتصال الرقمي إلى الجماهير.

ماذا يعني هذا؟ تعد المنظمات والشركات والمؤسسات والجهات الربحية وغير الربحية وكل ما له دور في المجتمع المصدر الأول لمحتوى الصحف، والذي كانت تعتمد عليه في موادها الصحفية، وحينما تفقد المؤسسات الصحفية السبق في نشر هذه الأخبار، وتفقد المعلومات أهميتها بفقدان ركيزة مهمة وهي الجدة والحالية، تفقد جماهيرها، وستكون هذه أيضا مشكلة في حال تحولها لصحيفة الكترونية، هل تستطيع الصحف أن تواكب سرعة تدفق المعلومات في وسائل الاتصال الرقمي وكيف؟ إضافة إلى ذلك هذه المؤسسات أصبحت تمتلك وبفضل التكنولوجيا أدوات صناعة المحتوى بحيث لا تقتصر على الكتابة، إنما الدمج بين الصوت والصورة، ويسهل نقل الأخبار والمعلومات من خلال الجهات ذاتها.

تخيل معي مؤتمرا منقولا عبر بث مباشر من خلال البريسكوب أو برامج الإذاعة المباشرة للجماهير، هل ستتابع الجماهير الإذاعة أم ما تكتبه الصحف لاحقا؟ هذا تحد كبير أمام الصحف حتى في حال تحولها إلى الكترونية، كيف ستخرج من دائرة تكرار المعلومة أو (الخبر البايت)؟

الخلاصة أن المؤسسات والجهات أصبحت تملك أدوات الوصول بنفسها، وتخلصت من اعتمادها على الوسائل الجماهيرية التقليدية التي كانت قبل عصر وسائل الاتصال الرقمي.

الإمكانات نفسها وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي للأفراد، وما أصبح يطلق عليه (صحافة المواطن)، حيث أصبح من السهل رصد المتغيرات وأداء وظائف الصحافة من الكتابة ودمجها مع الصوت والصورة ونشرها بطريقة سهلة في وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول بعض القضايا إلى قضية رأي عام بين مؤيد ومحايد ورافض، وسهولة الحصول على التغذية الراجعة بهذه الوسائل، وهي الركيزة الأساسية من تمام العملية الاتصالية، فأصبح المواطن ناقلا، ومراقبا للبيئة، وراصدا، ويستطيع بكل يسر وسهولة ممارسة ما كان يقوم به الصحفي.

الصحافة كانت الجسر الأساس لإيصال المعلومات بين المجتمع والقيادات العليا، ومن القيادات والجهات إلى المجتمع كحلقة وصل مع شرح هذه الأخبار والقضايا من خلال فنونها المختلفة التقرير والتحقيق والمقال..إلخ. وكون الأفراد هم المستهدفون الرئيسون من العملية الاتصالية، والوصول إلى الجماهير هو الهدف الأول من استخدام الوسائل الجماهيرية المختلفة، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو الالكترونية، فإن هذه الجماهير تأثرت وبشكل كبير بالتكنولوجيا وعززت وسائل الاتصال الرقمي من مفهوم الانتقائية لدى الملتقى، فمن خلال متابعة الحسابات الرسمية أو غير الرسمية التي تنشر المعلومات والأخبار فإن الأفراد يستطيعون انتقاء ما يتعرضون له، وتعزز هذه الوسائل من خلال الأدوات التي تتيحها مفهوم التعرض الانتقائي (وهي ظاهرة تفضيل الأفراد للمعلومات المؤيدة لرأي أو قرار معين وغض النظر عن المعلومات المعاكسة) فعلى سبيل المثال المتخصصين بالسياسية يمكنهم متابعة الجهات أو الأفراد المعنيين بها، للوصول إلى المعلومات والأخبار دون الحاجة لقراءة صفحة السياسة في الصحف ومعرفة التحليل من قبل الصفحات الشخصية للمحللين السياسيين.

وهناك أمر آخر وهو طريقة التصميم وإخراج المحتوى، المستخدم اعتاد على قراءة رؤوس الأخبار المجتزأة في التغريدات مثلا في تويتر، والتي تحاول أن تختصر المهم في مساحة لا تتجاوز 280 حرفا، فكيف يمكن للصحف حتى في تحولها الالكتروني أن تتخلص من السرد الطويل للأخبار والمعلومات؟ والمقصد هنا أن الصحف عليها أن تغير من الأسلوب ومن طريقة العرض والتصميم والإخراج أيضا، وتنزع عنها ثوب التقليدية، في محاولة لجذب الجمهور، العديد من الصحف حاليا لديها نسخ الكترونية، لكن بالدخول للصفحة ستجد أن طريقة العرض تشبه الورقية كثيرا، دون محاولة لتطوير الطريقة الإخراجية.

أخيرا تبقى لنا أن نشير إلى أن بعض الصحف بحاجة إلى قيادات تستطيع أن تخرج الصحافة من القالب التقليدي، وتبتكر أنموذجا خاصا لتواجدها الرقمي، هذا في حال أرادت أن تبقى الصحافة على قيد الحياة.

afnan_hayat@