حذامي محجوب

إعادة الانتخابات التركية مسمار في نعش إردوغان

الجمعة - 05 يوليو 2019

Fri - 05 Jul 2019

بفوز المعارض أكرم إمام أوغلو في انتخابات بلدية إسطنبول يوم 23 يونيو، وبعد إلغاء نتائج أول انتخابات بلدية له في نهاية مارس، بناء على طلب الرئيس التركي، وضع رجب طيب إردوغان منافسه في مقدمة قائمة الانتخابات الرئاسية لعام 2023.

هذا الانتصار الساحق لأكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري، هو انتصار للمعارضة التركية القوية، والتفاف سكان إسطنبول حوله وانتخابه عمدة لها بفارق تسع نقاط، ليس فقط نكسة لاذعة للرئيس إردوغان فحسب، إنما هو كذلك تهديد مباشر للمستقبل السياسي للزعيم "الإسلامي" الذي حكم حزبه (حزب العدالة والتنمية) في تركيا منذ نوفمبر 2002 بدون منازع.

هذه الانتخابات الأخيرة أكثر من أن تكون مجرد انتخابات بلدية، لأن هذا التصويت كان اختبارا فعليا لشعبية إردوغان وحزب العدالة والتنمية، في ظل الصعوبات الاقتصادية والأوضاع الإقليمية والدولية الخطيرة التي تورطت فيه تركيا بسبب أطماع واختيارات إردوغان.

هذه الانتخابات هزيمة مضاعفة بالنسبة للرئيس، هزيمة إردوغان الذي كان صعوده السياسي بفضل انتخابه عمدة لبلدية البوسفور، وقد كان يذكر دائما باعتزاز وفخر بأن "من يفوز في إسطنبول يفوز بتركيا"، كذلك لا ننسى أنه بفقدان هذه المدينة التي تحتوي على ثلث الثروة الوطنية، يعني أيضا أن الحزب الحاكم يفقد موارده الكبيرة لاستدراج رواد الأعمال وممولي الانتخابات وشراء أصوات الناخبين، كذلك فإن هذه الهزيمة مرة ونكراء بالنسبة للرئيس إردوغان لأنه حين قرر إعادة إجراء انتخابات مدينة إسطنبول وضع خصمه في الطليعة في سباق الرئاسيات القادمة لسنة 2023.

هذه الانتخابات التي ستقع من الناحية الرمزية في مئوية الجمهورية العلمانية التي تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية في 29 أكتوبر سنة 1923على يد مصطفى كمال أتاتورك.

لقد كان أوغلو غير معروف قبل ترشحه بثلاثة أشهر حين كان عمدة لضاحية، وقد تمكن بفضل إعادة الانتخابات وإجراء انتخاب ثان فرضه إردوغان من تحصيل أصوات أكثر من الدور الأول، مما يدل على صعوده الصاروخي وشعبيته، فقد جمع هذا الزعيم المعارضة بأطيافها.

ولد أكرم إمام أوغلو في عائلة محافظة في طرابزون، على البحر الأسود، وتمكن من جمع أصوات من خاب أملهم في حزب العدالة والتنمية وكذلك أصوات اليسار والأكراد. الأكراد الذين عانوا من الاحتقار والقمع، وفيهم العديد من وقع انتخابهم كرؤساء بلديات ثم اعتقلوا وسجنوا، وهم يتمتعون بوزن انتخابي كبير وحاسم. واضح أن هؤلاء جميعا انضموا إلى المعارضة.

للمرة الأولى منذ 2002 نرى تركيا معارضة يقول لا لإردوغان، ويمثل جيدا نصف الناخبين، واضح أن البلاد قد وجدت الشخصية الكاريزمية التي يمكن أن تلتف حولها، على الرغم من كل القمع الذي أعقب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، والذي تمثل في 55000 اعتقالا وإقالة 150،000 موظف.

لقد قاوم المجتمع المدني التركي، وبرهن للعالم أن الاستبداد ليس قدرا، وليس هناك أدنى شك في أن رسالة ناخبي إسطنبول سوف يتردد صداها في عدد من العواصم التي يسيطر عليها أيضا "رجال يتكلمون باسم الدين لقمع الشعوب". لقد برهنت الانتخابات التركية الأخيرة أن أكبر تضييق على تنظيم الانتخابات، خاصة الانتخابات المحلية، لا يضمن النتيجة بالضرورة، ويمكن أن يكشف عن المفاجآت.