ياسر عمر سندي

«الفضل» هل حققناه قبل أن ننساه؟

الأربعاء - 03 يوليو 2019

Wed - 03 Jul 2019

ابتدأت المقال بسؤال، ودوما ما تستهويني أغنية لكوكب الشرق أستحضرها في ذهني وأطبقها على واقعي في أي موقف أتعرض إليه وأردد «اسأل روحك»، نعم يجب أن نسأل أنفسنا دوما وأبدا في كل أمورنا الحياتية في العبادات الدينية والتعاملات الدنيوية، ومسألة الفضل في التعامل موضوع مهم جدا يجب أن نقف عنده دوما. وقبل أن أخوض في هذا السرد العظيم أرجو من القارئ الكريم أن يستشعر نفسيا ويستحضر ذاتيا ما الفضل الذي قدمته وأقدمه وأنوي تقديمه؟ وهل حقا أقوم بممارسة الفضل؟ وهل حققت معناه إيمانا به مع خالقي ورسولي وأسرتي ومجتمعي؟ وهل أنا بدوري كزوج أو زوجة راض عما نقوم به تجاه بعضنا البعض؟ وهل أديت واجباتي الأساسية لمرضاة الله أولا وأخيرا، أم لمرضاة المجتمع وتحقيق الحظوة والمكانة، أم لمرضاة الأنا النفسي إشباعا لذاتي؟

قد تمر جميع تلك التساؤلات أو بعض منها على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولكن الأهم الوقوف عليها وتفنيدها نفسيا وسلوكيا بصفة دورية، للوصول إلى النقاء الروحي والرضى النفسي والاستقرار العاطفي.

وسأترك المجال أمام ذلك السجال، وأبدأ بتعريف الفضل وما هي آلياته التعاملاتية مع الله جل وعلا أولا، ومن ثم مع رسولنا المجتبى، ومع شركاء الحياة وشركاء المجتمع الآخرين من الأسرة والناس أجمعين.

من وجهة نظري السلوكية أراه بالمفهوم العام على أنه «ما زاد عن الحد أو عن الشيء المسموح به»، قال الله تعالى في محكم تنزيله «والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم»، سورة البقرة الآية 105.

وهو أيضا «الخروج عن التوقع بأكثر من المتوقع»، كما قال عليه الصلاة والسلام «وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها»، وهذا الشاهد في الفضل السلوكي اللفظي، ناهيك عن الفعلي الذي يفترض فيه الفضل الكبير. ويتمثل الفضل أيضا بالتواصي والزيادة لغرض العبادة، في التربية والرفق والحنان واللين والصبر مع الأبناء، والزوجة، وكبد الحياة، قال تعالى «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر»، سورة العصر الآية 3.

فالعبد الفطن يجب أن يكون ذا وعي تام بأن صاحب الفضل الأول والأخير عليه هو خالقه، فيجاهد لذلك ببذل الفضل، وتذكر سلوك المصطفى التعبدي «حتى تتفطر قدماه»، وبذل التجارة الرابحة مع الله والتقرب بعبادته إلى مولاه بالصلوات والنوافل والصدقات والاستغفار وكف الأذى وبذل الخير في أوجه الخير، والحرص على الإتيان يوم القيامة بسلامة القلب وخلو الذنب، وكذلك العمل باتباع السنة النبوية وإرجاع الفضل لمن بعثه الله رحمة للعالمين وشفيعنا يوم الدين، والإكثار من الصلاة عليه والتيمن بأخلاقه وسلوكياته مع زوجاته وقرابته وحتى أعدائه.

أما من ناحية التعريف الخاص، فأرى الفضل بأنه «الفائض المبذول للخروج عن المألوف والمأمول في التعامل الخلقي مع القريب والبعيد والغريب لتأليف القلوب، إنفاذا لأمر الخالق المتين، واتباع سنة الصادق الأمين مع سائر خلق الله أجمعين».

والأولى والأهم في خلق الفضل هم ذوو القربي بالتودد والتراحم، وخفض الجناح للوالدين أولا ثم الإخوة والأخوات والأبناء والعائلة أو القبيلة، بالتفقد والسؤال والعفو والتجاوز عن الزلات ابتغاء وجه العظيم، وانقيادا لتوجيهات نبينا الكريم،

قال عز وجل «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى» سورة النور الآية 22، وقال عز من قائل «ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير» سورة فاطر الآية 32.

وأرى أن أساس الفضل في معناه المتخصص لبناء أسرة مسلمة متحابة تتعامل بخلق الفضل السلوكي المستدام بكل صوره من خلال المؤسسة الزواجية، وأعرفه بأنه «الإفاضة والإغداق والبذل للشريك، سواء الزوج أو الزوجة، وبالأخص الزوج تجاه زوجته بالخير في التعامل والعطاء المادي والمعنوي والأخلاقي، اللفظي بحلاوة النطق وعذوبة اللسان، والفعلي بالاحتواء والاحتضان، والإيمائي بإظهار بشاشة الوجه وملامح الأمان، بالمعروف في الإمساك والعشرة، والإحسان في التسريح والفرقة». قال تعالى «ولا تنسوا الفضل بينكم» سورة البقرة الآية 237.

@Yos123Omar