محمد أحمد بابا

قانون الكفاءة النفسية

السبت - 15 يونيو 2019

Sat - 15 Jun 2019

ليس من المعلوم ما تأتي به الأقدار في اثنين اجتمعا في عقد زواج أن يهب الله نفسيهما (مودة ورحمة) بينية كما هو منتظر، أم تطغى نفس على نفس بعوق تصرفات وتشويه أمزجة وخطورة تهورات. ولست وحدي من ينادي بالكشف النفسي والعقلي على الطرفين ما قبل الزواج، ليضاف للكشف الصحي البيولوجي الجسدي، لكن هذا المنوال قادني لأفهم - كما يفهم غيري - بأن الكفاءة تعني الجدارة، وتلك مرحلة محسوسة مقاسة، ولو كانت معنوية، ليصح الحكم على فرد بأنه أهل لحال جديدة أو وضع طارئ أو مهنة ووظيفة، ونحو ذلك ذي حجة منطقية مادية. وعندما نخلط مفهوم الكفاءة بالعلوم النفسية والمعلومات الاجتماعية والعلامات الحيوية والكشف السريري، ثم نعرج على ما ينضح من تعليم وما يُحسَن من مهارات فسنقوى بلا شك على ما يؤرق كل إنسان وكل شخصية اعتبارية وكل أمة ومجتمع من الاختيار الصحيح بين الخيارات المتاحة.

وحين نجعل أصل الدين وهو القرآن العظيم أصلا في ذلك سنجد موسى عليه السلام قال «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني»، وما شرح الصدر إلا مؤثر في انطلاق القول لكي يكون ذاك أجدى في نجاح المهمة بعد إضافة عامل مساعد «اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري»، وكل النفسانيين يعلمون مدى تأثير الدعم الاجتماعي والأسري حين استنطاق واستشراف كفاءة نفسية نبوية لمهمة رسولية إلهية مفصلية بين الحق والباطل.

ثم إن النفوس ليست في الناس على حد سواء، ولكنها مع التدريب والتعليم والتطوير ترقى من مرحلة لمرحلة لتناسب المستقبل أو تستطيع تحمل المفاجآت، فالعامل في آبار النفط ليس أبدا كالعامل في تصفيف أوراق أشجار الطرقات، وقائد مركبة فضائية ليس سواء مع رجل بهلواني في سيرك عالمي، ورجال المشرق يختلفون عن نساء المغرب، كما هو اختلاف أطفال جزر سيشل عن ذراري لبنان، والوظيفة العامة في الحكومة أيا كانت درجاتها تحتاج من الكفاءة النفسية أقل احترازا من الوظيفة في شركة هواوي مثلا، في سلسلة طويلة التعقيد مركبة التفكيك.

وعلى الصعيد الاجتماعي وارتباطه بالمرجعية الأيديولوجية نجد أن انحدار مستوى الكفاءة النفسية والجدارة الروحية هدم أسرا وفرق أزواجا ودق إسفين القطيعة بين ذوي رحم، ثم إن ذات الجدارة النفسية المتدنية أقلعت بكثير من شباب وشابات الوطن حيال خلط مفهوم ديني صحيح مع استفزازات عاطفية باسم تصحيح نحو الهوس وربما الجنون، فأفسد سوء التأهيل نتائج التحصيل.

ما أعنيه وأظنه الأهم أن يُطرح في مجلس الشورى (قانون الكفاءة النفسية) كمشروع لتشريع عام محكم دقيق كبير سلطوي التبعية، يطال كل مفاصل الاحتياجات الفردية والجماعية الحكومية والمدنية بلا استثناء، ولو اجتمع مع ذلك ما هو موجود من أنظمة متفرقة حيال صحة نفسية في المجال العسكري والطبي وغيرهما لكان الأمر أكثر ضبطا وأشد حزما.

لا يمكن أن يقبل إنسان اليوم باعتلال نفسي له أثر متراكم في شخص يمسك بزمام مصنع للبطاريات، ولا أظن فرد الساعة قادرا على تحمل تجربة في اقترانات فاشلة زوجية تخيفه من خلال إحصاءات الزواج والطلاق العدلية المتتالية، وأنا متأكد من أن القوم وهو يأتمون بإمام مسجد أو يستمعون لخطيب جمعة، يحرصون على أن يلتقطوا من خلال مراقبته كفاءة نفسية يزعمونها محفزة أو منفرة، وكل ما يتبع ذلك من الحالات ربما له نصيب من هذا التوصيف.

وفي المجال الفردي والخاص، كفاءتك النفسية ذات الطابع المرن ارتفاعا وهبوطا هي الحجاب الحاجز بينك وبين اختلاط القناعات وفقدان السيطرة وانفلات الأعصاب، وهي كذلك محك حظك من الاكتئاب، كثر أو قل.

نحتاج فعلا لأن يتعاون الطب النفسي والممارسة النفسية وعلماء الاجتماع وفقهاء الشريعة والقانونيون، وأهل الحكمة والحل والعقد، ليُناط بلجنة من لجان مجلس الشورى دراسة إنتاج مسودة لقانون الكفاءة النفسية الوطني، فجودة الحياة التي أطلقتها رؤية وطننا تقتضي ذلك، فينعم كل من هو على هذا التراب بمناخ لطيف سليم بعيد عن عوامل تشرذم ومعاول تمزق وترهات تصنيف ومكروهات عنصرية ومساوئ تعسفات.

albabamohamad@