فهيد العديم

غول الإحباط!

الأربعاء - 29 مايو 2019

Wed - 29 May 2019

في كل عام، ومع اقتراب كل عيد من أعيادنا الدينية يتبادر إلى الأذهان بيت المتنبي الشهير «عيد بأية حال عدت يا عيد»، وتكاد لا تخلو صحيفة أو تلفزيون أو حتى مجلس من هذا البيت ذي الشجن الحزين، ولا أدري هل محاولة الوقوف ضد الفرح واستدعاء الحزن والكآبة والذكريات الأليمة لمقاومة الفرح؛ هل هو مقصود كتوجس قديم من الفرح مرتبط بالذهن الجمعي بأن كل فرح تأتي بعده مصيبة؟

ولا زلت أذكر عادة أظن أنها لا زالت موجودة، وهي أنه عندما تضحك مجموعة بشكل لافت على الفور ينادي أحدهم بـ «الله يكفينا شر الضحك» ليؤمن البقية على الدعاء، رغم أن التاريخ لم يذكر شخصا مات من الضحك، وذكر كثير ممن ماتوا حزنا وكمدا، والمخيف بالنسبة لي هو توارث الإحباط الذي قد يصل إلى حدود اليأس. وأعتقد أن نتائج خطاب قديم بدأت تؤتي أكلها، وقد نكون - بشكل أو آخر - كلنا جزءا من ذلك الخطاب، وأقصد فيه الخطاب النقدي السلبي المتواصل، حتى وإن مورس بحسن نية، بل أيضا كان بدافع وطني لا شك فيه، وأقصد تحديدا الحديث الكثير عن المشاريع المتعثرة وحديثنا الكثير عن الفساد، وأنه من المستبعد أن تجد مشروعا خاليا من الفساد، والحديث أيضا عن (الواسطة) وأنه مهما حصلت على مؤهلات ومهما كنت عبقريا فإن (الواسطة) وحدها هي من تحدد مستقبلك، والكلام الآن ليس عن صحة هذا الكلام من عدمه، أو نسبة صحته، ولكن على انعكاسه على الجيل الجديد الذي يسمع صباح مساء مثل هذا التعميم المحبط، تخيل ابنك - مثلا- في المرحلة الثانوية، وهو يسمع أن الواسطة هي من تحدد مستقبله، خاصة عندما يسمع هذا الكلام متواترا ممن هم أكبر منه، هل سيجتهد في دراسته ويسعى لتحقيق طموحه؟ أم إنه من الطبيعي أن يتسلل الإحباط والحزن إلى نفسه؟ تخيل أن هذا اليأس ليس فقط في ابنك، بل في مدرسته أيضا، ثم فكر أن تكبر الدائرة وتنظر للمدينة ثم للمملكة، ثم فكر في هذا الجيل بعد 20 عاما كيف سيكون وقتها المجتمع؟ أعلم أن الفكرة مرعبة، ولأنني (موسوس) قليلا، وأحيانا كثيرا، فإنني في المجالس العامة عندما يكون الحديث عن الفشل والبطالة أحاول قراءة ملامح الأطفال والمراهقين فأشعر بالرعب!

أصبح الحديث مثلا عن الفساد نوعا من الثقافة ربما، فكما أن هناك شعوبا تحاول أن تبدأ حديثها عن الطقس فإننا مع الأسف نفتتح تعارفنا بالحديث عن الفساد، وسأختتم بقصة توضح مأزقنا الحقيقي، في مجلس عام كان الحديث عن الفساد، واستشهد كل من الموجودين بقصة فساد حصلت بالمكان الذي يعمل فيه، سألتهم من حاول أو فكر أن يبلغ عن قضية الفساد التي يعرفها؟ فلم يجب أحد!

Fheedal3deem@