محمد الحربي

الحق عمرك..

الخميس - 16 مايو 2019

Thu - 16 May 2019

خلق الله البشر لعبادته وإعمار الأرض، لكن البعض يعتقد أن السعي في مناكب الأرض لطلب الرزق يستلزم قضاء العمر في اللهث لاغتنام الفرص والتنافس للحصول على أكبر المكاسب، دون الاهتمام بجوانب أخرى في الحياة تعد أكثر أهمية، فضلا عما سيترتب على ذلك من عواقب نفسية وصحية واجتماعية.

جميعنا ندرك التوجيه النبوي الكريم الذي يؤكد على العدالة في توزيع اهتماماتنا، ففي الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لربك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه».

في خضم سعينا الحثيث بحثا عن الرزق وتحسين ظروف الحياة قد ينسى كثيرون إعطاء الأولوية المستحقة لأنفسهم، وقد يمضي قطار العمر بهم سريعا دون تحقيق معظم أمنياتهم التي أفنوا شبابهم من أجلها فأصبحوا كالمنبت الذي لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع!

العجيب أننا ربما لن ندرك هذه الحقيقة المرة إلا في مرحلة متأخرة من العمر، وحينها لن تسعفنا مجرد ساعات وأيام محدودة للاهتمام بأنفسنا وتعويضها. يقول رجل في الثمانين: كنت أموت لإنهاء دراستي الثانوية، ثم أموت لإنهاء مرحلة الجامعة، ثم للحصول على العمل، ثم كنت أموت لأتزوج، ثم أموت لأجل أطفالي ليكبروا، ثم كنت أموت لأتقاعد، وفجأة اكتشفت أني نسيت العيش! من فضلك لا تدع هذا يحدث لك، وعش كل يوم يمر عليك وقدر هذه الحياة واستمتع بكل يوم تحياه».

في هذا السياق، نقتبس هنا ملخصا لكتاب «أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت The Top Five Regrets of The Dying» الذي نشر للمرة الأولى عام 2011، حيث لخصت الممرضة الأسترالية «بروني وير Bronnie Ware» مجموعة من إجابات المرضى الذين اقتربوا

من حافة الموت، عن سؤال: ما أكثر شيء ندمتم عليه في حياتكم؟ وركزت معظم إجابتهم على خمسة أشياء ندموا عليها، هي:

1. تمنيت لو أني لم أقض كل هذه السنين من عمري في العمل.

2. تمنيت لو أني ملكت الشجاعة لأعيش الحياة التي أردتها دائما لنفسي، لا التي أرادها لي الآخرون.

3. تمنيت لو أني ملكت الشجاعة للتعبير عن مشاعري بحرية، بدلا من الاهتمام بإرضاء الآخرين.

4. تمنيت لو أني تركت نفسي لتكون أكثر سعادة لكني نسيت ذلك في خضم صراعي اليومي مع متطلبات الحياة.

5. تمنيت لو أني وثقت علاقتي بأصدقائي الأوفياء وحافظت عليهم.

بالمقابل، فإن هذه الأمنيات التي لم تتحقق لشريحة كبيرة من المسنين يمكنك عزيزي القارئ تحويلها إلى أسلوب حياة مختلفة تبدأ بالتخلي عن الفكرة السائدة لدى المجتمعات العربية بأن سن الـ 50 هي مرحلة الشيخوخة التي يجب أن تتوقف عندها الحياة، واستبدالها بالعمل على:

1. الموازنة بين الواجبات الدينية والعائلية والاجتماعية، وبين المهام العملية، وإعطاء كل ذي حق حقه.

2. أن نحب ما نعمل لنعمل ما نحب، فذلك أدعى لأن نستمتع بالعمل، وألا يضيع العمر هباء، والرزق مكتوب.

3. أن نعيش حياتنا كما نريد وبما يتواءم مع ظروفنا واحتياجاتنا الضرورية، لا كما يريد الآخرون، أو كما يعيشون!

4. إعطاء الأولوية للعائلة والأولاد حتى لا يفتقدوا وجودنا بينهم ونحن على قيد الحياة.

5. اقتطاع جزء من الوقت لأنفسنا للهرب من ضغوط العمل وصراعات الحياة، والاستمتاع بالقراءة وممارسة الرياضة والسفر واكتساب ثقافات عالمية وتكوين صداقات وفية نحافظ عليها لتبقى معنا طول العمر.

Dralharbi1@