عبدالله الأعرج

لن يعمل.. إلا ما دمت عليه قائما!

الاحد - 28 أبريل 2019

Sun - 28 Apr 2019

من أبشع صور بيئات العمل تلك البيئة التي تحتاج إلى مراقبة مستمرة ومتصلة من قبل المسؤول أو المراقب أو المشرف أو المتابع ليضمن سير العمل وصيرورته دون تأخر أو مماطلة!

ورغم أهمية المراقبة في سير العمل إلا أن تحولها إلى ما يشبه حبة البنادول التي حين ينتهي مفعولها يعود الصداع وألم المفاصل وتشنج العضلات للجسد يعد أمرا مزعجا للغاية، يلزم معه معرفة الأسباب وتبديل قرص المسكن بكبسولة مضاد حيوي تبتلع المعاناة وتجتث المرض من جذوره.

وحين نقترب أكثر من عملية تشخيص أسباب التخاذل من بعض الموظفين في أداء أعمالهم حين تغيب الرقابة فإننا حتما سنجد واحدا أو أكثر من العناصر أدناه كسبب مباشر لهذا السلوك غير المقبول، وهي:

1 - غياب عنصر المراقبة الفاعل عن مشهد العمل أو بلغة أخرى وجود ما يشبه المراقبة المزاجية التي تنتهجها بعض الإدارات التي تعتمد على قرارات آنية ولحظية دون وجود جداول متابعة وإشراف محددة سلفا ومعروفة الزمان والمكان والقائمين عليها، وعليه فإن الموظف المقصر يشعر باطمئنان تجاه أي مداهمة مقننة من قبل الجهات الرقابية داخل بيئة عمله.

2 - التكوين النفسي المشوه لبعض الموظفين المقصرين الذين ينظرون إلى التفذلك والتحايل في بيئة العمل والاختفاء عن المشهد والخروج دون أن يشعر أحد والإبحار في اختلاق الأعذار على أنها فهلوة ودهاء وبراعة في استغباء المسؤول والمشرف والمراقب.

3 - عدم حب العمل عنصر مهم أيضا في معادلة عدم العمل إلا تحت وطأة المتابعة اللصيقة. ومن المقنع بالنسبة لي شخصيا أن الإنسان حينما يكره عملا ما فلن ينجز بتاتا، وحين ينجز فسيكون الإنجاز أصفر شاحبا فقد خضرة الحياة ورونق الإتقان.

4 - كذلك فإن بعض الموظفين لا يعمل إلا تحت مراقبة مستمرة لأنه يشعر بغياب العدالة في تقسيم الأعمال والجور على بعض الموظفين مقابل محاباة البعض الآخر، وهنا تنتفض الأنا الداخلية لديه فيكون التقصير في الأداء من قبله بمثابة ردة فعل تجاه الشعور بالظلم المهني الذي يتعرض له.

5 - هنالك أيضا من الموظفين من يمتلك برودا لافتا كجزء من تكوينه البيولوجي biological component وهذه الفئة من الموظفين لا يوجد لديهم مشكلة مع ميدان العمل أو المسؤول بقدر ما هي مشكلة فسيولوجية تجعلهم يتحركون ببطء ويتعاملون ببرود تجاه طلبات العمل

واحتياجات المنظمة، فيتحول أمر عمل لديهم يحتاج لبضع ساعات إلى مشروع كبير يلزمه أسبوع أو أكثر لإتمامه بمتابعة لصيقة من الإدارة والمشرفين والرؤساء المباشرين.

6 - وإذا كان المسؤول ممن يحمل صفات سريعة الاشتعال بمعنى أنه لا يقبل التنازل مثقال ذرة عن التأخير ولا يجد عذرا أو تبريرا لأي تأجيل، ويبالغ في المراقبة وينظر إلى الموظف على أنه آلة صماء يجب ألا تتوقف حينها سيكون هنالك ما يشبه طفاية الحريق من قبل الموظف ليواجه هذه الألسنة من اللهب، فتنشأ هذه المعركة الناعمة وتؤثر على سير العمل بشكل كبير.

7 - ومن أسباب التقصير في العمل إلا بوجود مراقبة دائمة كثرة المهام وتعدد الطلبات وتأجيل المعاملات، وهو الأمر الذي يخلق التشتت ويعزز فرص التقصير ويفضي بالنتيجة لإنجاز هش وأداء أقل من متواضع يتضح أثره السلبي سريعا للجميع.

8 - ومن الأمور التي لا يمكن إغفالها تحول بعض بيئات العمل إلى ساحات لتصفية الحسابات بين الإدارات والموظفين لأسباب متعددة، وهي حالة غير صحية تكون أولى نتائجها إخفاق تلك المنظمة في الوصول لدرجة متقدمة من الإنجاز والمهنية وفاعلية الأداء.

بقي أن أختم بالتأكيد على أن عنصر المتابعة في العمل لن يكون يوما ما عنصرا محبوبا لدى البشر، ولكنه بمثابة الحقنة الوريدية التي تعطى لمن أصيب بالحمى وهو لها كاره لينعم بعد بضع ساعات بزوال الحرارة وعودة السكينة والإقبال على الحياة، وحينها سيتأكد تعريفي الدائم للإدارة أنها مثقال ذرة من التخطيط وجبال كجبال السروات من المتابعة.