محمد الحربي

البيئة الجامعية بين الصراع والإيجابية

الخميس - 18 أبريل 2019

Thu - 18 Apr 2019

تقوم الجامعات بأدوار محورية لقيادة المجتمعات نحو الحضارة والازدهار، وإيلاء التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع جل اهتمامها، وهي واجبات رئيسة للجامعات لا يمكن لأي مؤسسة جامعية أن تتخلى عنها.

هذه المسؤولية العظيمة لن يكتب لها النجاح دون توفر البيئة الملائمة للعمل التي تتيح المشاركة الإيجابية لمنسوبيها، خاصة قيادات الجامعة وأعضاء هيئة التدريس الذين يعدهم المجتمع قدوة لأفراده تقع عليهم أمانة إعطاء الانطباع المتوقع لجامعاتهم وإظهارها بالمظهر اللائق والسمعة الحسنة داخل الوطن وخارجه.

إن توفر بيئة العمل الإيجابية Positive Work Environment يبدأ في الجامعة من القسم الأكاديمي، حيث يفترض أن تسود أفراده المحبة والتفاهم والتعاون الإيجابي بروح الفريق لتحقيق أهداف الكلية والجامعة، والوفاء بتطلعات المجتمع الذي ينظر إلى أساتذة الجامعات على أنهم نخبة الوطن وقادته، يقدمون علمهم وخبراتهم وتجاربهم لطلبة الجامعة، ويعملون بإخلاص لخدمة المصلحة العامة بعيدا عن المصالح الشخصية والأجندات والصراعات المخلة بمهنة التدريس الجامعي.

وتشير Nancy T. Watson وآخرون في دراسة نشرت عام 2019 بمجلة Conflict Resolution إلى أن الصراع موجود في كل جانب من جوانب حياتنا، بما في ذلك مكان العمل. ويمكن للصراعات التي لم يتم حلها وغير المدارة في مكان العمل أن تقلل الإنتاجية، وتهيئ مناخا غير صحي، وتؤثر سلبا على العاملين وقدرة الجامعة على الاحتفاظ بهم، كما أن الصراعات في بيئة العمل بمؤسسات التعليم العالي تنشأ غالبا بين الأشخاص ذوي الاحتياجات والأفكار والمعتقدات والقيم أو الأهداف المتعارضة، ويظهر ذلك عندما يُطلب من أعضاء هيئة التدريس العمل بشكل جيد والتعاون مع الآخرين، أو ممارسة الحوار لمناقشة أفكار جديدة لتطوير العمل،حيث يمكن أن تتضاءل أو تتلاشى فرصة الحوار المثمر الفعال نتيجة لافتقادهم للتفاهم أو الرغبة في العمل المشترك، أو أن هذه المهام والأفكار تتعارض مع مصالحهم الشخصية، وكل ذلك يسهم في التأثير غير الإيجابي على بيئة العمل وتنازل أعضاء هيئة التدريس طواعية عن دورهم في التطوير والإبداع في مجالات التدريس والبحث العلمي، وهي نتيجة طبيعية فرضتها صراعات شخصية لا علاقة لها بالصراع التنظيمي Organizational conflict الذي يمكن أن يكون إيجابيا يخدم المؤسسة التعليمية.

إن انشغال أعضاء هيئة التدريس من الأساتذة والمحاضرين والمعيدين بالصراعات الداخلية والتنافس غير الإيجابي سيخلق في كليات الجامعة والأقسام الأكاديمية أجواء غير صحية، ويضيع عليهم كثيرا من الفرص الذهبية الإيجابية لإثراء معارفهم وتطوير مهاراتهم في التدريس والبحث العلمي، وتجويد استراتيجيات التعليم والتعلم، فضلا عما تسببه النزاعات من هدر لعلاجها والتخفيف من آثارها، خاصة إن ترافقت مع شكاوى متبادلة بين أعضاء هيئة التدريس أنفسهم، أو ضد منسوبي الجامعة، يتضح بعد البحث والتدقيق أنها مجرد شكاوى كيدية أشغلت المسؤولين واستنفدت وقتا وجهدا وأموالا كان الأجدر أن توجه لفائدة لمجالات أولى وأجدى.

ويؤكد عدد من خبراء القيادة التربوية أنه يمكن مواجهة الصراعات غير الإيجابية في بيئة العمل بالجامعات بتوعية منسوبيها بالأنظمة واللوائح الإدارية والأكاديمية والحقوق والواجبات، ونشر ثقافة الحوار والتعاون والاحترام المتبادل وتقبل آراء الآخرين، والعمل على الحد من هذه الممارسات من خلال الخطط والقرارات الوقائية قبل تفاقم تبعاتها على الطلبة وأعضاء هيئة التدريس.

* إضاءة: قال عليه الصلاة والسلام «فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم». (رواه الشيخان).

Dralharbi1@