عبدالله الأعرج

ملتقيات التوظيف بين الربيع والخريف!

الاحد - 07 أبريل 2019

Sun - 07 Apr 2019

لا شيء يعدل الاستقرار النفسي لكل شاب وشابة كالحصول على وظيفة تناسب مؤهلاتهما وتوازي طموحاتهما وتتناسب أفقيا ورأسيا مع سنين الكدح وأيام الجد والاجتهاد.

ولأن العمل سنة المولى في خلقه ولأن العنصر البشري يستمر باستمرار السعي في مناكب الأرض والكدح، ولأجل تحقيق الذات وبناء الأسرة وتنمية الأوطان وتقديم الإبداع وتيسير أمور الناس وغيرها لأجل كل هذا كان العمل والوظيفة في زمننا المعاصر تحديدا نقطة جوهرية جديرة بالبحث والاهتمام والتداول والشفافية!

ولما كانت الوظيفة أشبه بالكرزة التي تعلو كيكة سنين الحصاد كان لزاما أن تحظى قضايا التوظيف التي تقدمها قطاعات العمل للشباب والشابات في ملتقيات التوظيف بالمصداقية الشديدة، والمهنية البحتة، والأمانة التامة، والرغبة الأكيدة في استقطاب أبناء وبنات الوطن الصالحين والمؤهلين لسد احتياجات السوق وإكرامهم بمرتبات ومزايا تتناسب مع جودة التأهيل وصدق الإصرار وطبيعة الحياة المعاصرة بكل تعقيداتها وتسارع تطورها.

وها هي ملتقيات التوظيف في حلتها الربيعية لا تكاد تنتهي في جهة معينة إلا وبدأت في أخرى تتسابق إليها عشرات الشركات بطواقم التوظيف الخاصة بها ومسؤولي الموارد البشرية Human resource recruiters فتتحول قاعات الفنادق وصالات الاستقبال إلى مشهد كبير لخلية نحل تعج بأوراق السِيَر الذاتية ومشاهد المقابلات الشخصية الفورية ووعود العمل اللحظية، وبنازات وبروشورات تعكس المستقبل الذي ينتظر ذلك المتقدم والمتقدمة من فرص الترقي المستقبلي والامتيازات السريعة والمناصب القيادية وغيرها كثير.

وحينما تنقشع الغمامة ويصفو الجو المهيب لملتقيات التوظيف يظهر خريف الحصاد فيقف بعض طالبي العمل من شبابنا وبناتنا موقف الدهشة والحيرة، بل والإحباط من مخرجات كثير من هذه الملتقيات والتي تبدو على حقيقتها بعد زوال تأثير فلاشات الإعلام ومنصات الدعاية ووعود المهنية والاعتمادية.

يقف كثير من الشباب والشابات مشدوهين جدا أن بعض الوظائف كانت وهمية في عددها بحيث إن المعروض على سبيل المثال 50 وظيفة والمطلوب 10 وظائف، ويقفون محبطين أن بعض أرباب العمل لا يهمه مدى مناسبة تأهيل المتقدم للوظيفة وعليه فلا ضير من متخصص في الحاسب ليعمل في مراقبة دوام، أو متخصص في المحاسبة يعمل كموظف استقبال، أو طالب كهرباء يقدم له عرض للعمل في قيادة باص أو إشراف على مطعم وقل ما شئت.

كذلك فإن كثيرا من شبابنا وشاباتنا يصدمون بعائق كبير فيما يتعلق بالمخصصات المالية، فبينما تعدهم بعض الجهات في ملتقيات التوظيف بمرتبات مناسبة لتأهيلهم ومتوافقة مع ساعات دوامهم يفاجأ بعضهم بمرتب يقل بنسب قد تصل إلى 30% عما وعدوا به يضاف لها اقتصاص مستحقات التأمين وأجور التأمينات ويضاف لها ساعات عمل أكثر ليكون الإحباط في أوجه وينتهي السيناريو بالكلمة المعتادة (الشباب أو الشابات لا يريدون العمل)!

نعم لا يريدون العمل لأن بعض الجهات لا تريد الالتزام بما قطعته من وعود لهم أثناء ملتقيات التوظيف، ولا يريدون العمل لأن أجورهم متدنية مقارنة مع إخوانهم من جنسيات أخرى يؤدون أعمالا مشابهة، ونعم لا يريدون العمل لأن مزايا الترقي والمناصب القيادية قد تكون مجرد حلم لهم مقارنة بغيرهم من إخوانهم من جنسيات أخرى، ونعم لا يريدون لأنهم مؤهلون في أفضل دور التدريب والتعليم ويحملون شهادات متخصصة موثوقة المصدر معتبرة الكفاءة، ونعم لا يريدون لأن وسائل المواصلات لا تؤمن لهم وتؤمن لغيرهم وقيمة السفر والتذاكر لا تعطى لهم وتقدم لغيرهم!

يا أرباب العمل الذين تنتهجون هذا المسار! هل تدركون أنكم شركاء حقيقيون في تنمية الوطن وبناء قدرات الشباب ومسيرة التنمية؟ هل تعلمون أن الدولة - أعزها الله - تقدم لكم من التسهيلات ما يجعلكم أكثر حرصا للمساهمة في دفع عجلة التنمية من خلال الاستثمار في الشباب والشابات الوطنيين المؤهلين؟ هل تدركون أن رأس المال البشري هم أبناء الأوطان في أي بقعة من الأرض فهم الأعرف بأهلها والأقرب لمجتمعاتها والأقدر على تجاوز صعوباتها؟ هل نحن بحاجة للتذكير بتوصيات ولاة أمرنا أن دوران رأس المال وصرفه داخل الوطن أمر صحي غاية الصحة وفيه بحول الله كل النفع والخير؟

أريد أن أختم بالتأكيد على أن مراقبة مدخلات ومخرجات ملتقيات التوظيف باتت اليوم أكثر من أي يوم مضى أمرا في منتهى الأهمية، وأن متابعة التوظيف بعد تحققه والوفاء بالالتزامات المعلن عنها أمر لا يعدله شبيه في تحقيق توجيهات قيادتنا وتحقيق آمال بناتنا وأولادنا، والسمو بهذا البلد إلى آفاق توازي التطلعات وتواكب المستجدات، فهنا صدق المواطنة، وهنا حس الانتماء، وهنا يكون ربيع الأوطان قبل خريف الآمال والأبدان!

dralaaraj@