محمد علي العاوي

الثروة السمكية.. عملاق نائم

الخميس - 14 فبراير 2019

Thu - 14 Feb 2019

من أبرز ما جاءت به رؤية المملكة 2030 استنباط مصادر دخل جديدة، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، تفعيلا لمبادئ التنمية المستدامة، وعدم استنزاف الموارد المتاحة، لضمان استفادة الأجيال المقبلة منها، وحماية الاقتصاد الوطني من تقلبات أسواق النفط العالمية، إضافة إلى الإسهام في إحداث طفرة اقتصادية هائلة ونهضة تنموية شاملة، ولا سيما في المناطق التي توجد بها الثروات الجديدة. لذلك بدأت المملكة تفعيل قطاعات عديدة لم تكن تحظى بالاهتمام المناسب في الماضي، مثل السياحة والصناعة وغيرهما من المجالات الأخرى.

من الثروات العديدة التي تحظى بها بلادنا، والتي يمكن عن طريق استغلالها تحقيق مكاسب اقتصادية إضافية قطاع الثروة السمكية، عطفا على وقوع المملكة على البحر الأحمر والخليج العربي، وهي موارد مائية معروفة باحتوائها على أنواع متعددة من الأسماك وسائر الكائنات البحرية التي يمكن أن تشكل موردا هاما في تحقيق الأمن الغذائي، وتسهم في توفير مبالغ مالية ضخمة من خلال تصديرها.

وتعد الثروة السمكية أحد المكونات الحية للبيئة البحرية التي استغلها الإنسان في توفير طعامه، كما أن للإنسان تأثيرا مباشرا على تلك البيئة، عن طريق عمليات الصيد المستخدمة في استخراج أنواع الأسماك المختلفة، إلا أن ذلك الاستغلال قد يؤثر بشكل مباشر على تلك الثروة من خلال عمليات الصيد التي تمارس، سواء بطريقة فردية أو بأساليب تجارية، فالصيد غير المنظم يؤدي إلى تهديد حيوية تلك الثروة ويحد من قدرة الأسماك على التوالد والتكاثر بما يضمن استمرار وجودها.

ورغم أن الإنسان السعودي عرف منذ القدم عمليات صيد وتجارة الأسماك، إلا أن هناك كثيرا من المظاهر السالبة في التعامل مع تلك الثروة، فالواقع يقول إن هناك نوعين من الصيد، الأول رشيد (sustainable fishing) وهو ما يمارسه الصيادون أصحاب المراكب الصغيرة، حيث يتم اصطياد كميات الأسماك التي تعد زيادة في نمو المخزون السمكي بطريقة ملائمة لا تحدث آثارا سلبية على البيئة البحرية، أما النوع الثاني فهو ما يسمى بالصيد الجائر (over fishing) وهو الصيد الذي تستخدم فيه وسائل تجارية، ويتم عادة خلال مسافات قريبة من السواحل، ويستهدف صيد الأسماك الصغيرة، لكنه يتسبب في جرف وتدمير الشعب المرجانية، ويؤدي إلى تناقص أعداد البيض التي تطرح سنويا، مما يؤثر سلبا على قدرة الأسماك على التكاثر، وبالتالي حدوث خسائر كبيرة، لذلك فإن المطلوب من الجهات المختصة مراقبة عمليات الصيد، ومنع تلك الممارسات السالبة التي يركز مرتكبوها على تحقيق أرباح سريعة بصورة آنية، دون الاهتمام بضمان استمرارية وبقاء تلك الثروة الحيوية.

خلال العام الماضي أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة عن برنامج وطني لتنظيم مهنة الصيد وتوطينها للشباب السعودي، لمساعدته على الولوج إلى مهن إضافية تدر عليه دخلا مرتفعا، وهذا سيكون له بإذن الله أثر كبير في المحافظة على البيئة البحرية، إلا أن هناك تحديات لا زالت تواجه الصيادين من الشباب السعودي الطموح، وإجراءات لا بد من القيام بها، تتضمن وضع قيود لوقف الصيد الجائر، ومنع الصيد في المواقع التي يكون المخزون السمكي فيها متراجعا، لذلك من المهم جدا لنجاح البرنامج الوطني الذي سيكون له أثر ومردود إيجابي على الاقتصاد الوطني، أن يتم تذليل جميع العقبات والصعوبات التي يواجهها المواطن، ومنحه الأولوية في الاستفادة من الثروة السمكية، وفقا لمنهجية وضوابط تضمن تنفيذها الهيئات المختصة والمسؤولة عن حماية تلك الثروة،

تتضمن حجم وكمية الأسماك المسموح بصيدها بناء على موسم التكاثر، ودراسة المخزون البحري، وعقد ورش تدريبية للمواطنين لإيضاح أنظمة وقوانين الصيد.

ختاما، يبقى القول إن ثرواتنا كبيرة ومتعددة، ومن شأن الاستغلال الأمثل لها أن يؤدي إلى تعدد مصادر الدخل، وإيجاد فرص وظيفية مناسبة لشبابنا، وتقليل الاعتماد على الثروة النفطية التي ظللنا نستنزفها خلال الفترة الماضية، والوصول إلى مرحلة الأمن الغذائي، عبر الاكتفاء الذاتي، بل وولوج عالم التصدير، بما يؤدي إلى إضافة موارد جديدة يمكن أن ترفد الميزانية العامة للدولة.

drmawi@