خالد الحمدان

السنة التحضيرية.. بررتها الغاية وشوهتها الوسيلة

الاحد - 03 فبراير 2019

Sun - 03 Feb 2019

جاءت فكرة تشغيل السنوات التحضيرية في جامعاتنا انطلاقا من الرغبة في تجويد العملية التعليمية وتحسين مخرجات التعليم، ولقد أكدت خطة التنمية التاسعة للمملكة العربية السعودية أن ضمان جودة التعليم تضمن تحقيق مخرجات تعليمية يمكن أن تسهم بفاعلية في عملية التنمية. وتأتي السنة التحضيرية كأحد برامج تحسين الأداء وضمان الجودة التي انتهجتها وزارة التعليم، ولقد أقرت السنوات التحضيرية في أغلب الجامعات الأمريكية والأوروبية تحت مسمى «السنة التأسيسية» منذ زمن بعيد، أما في جامعاتنا فهي حديثة النشأة مع وجود فروق نسبية من جامعة لأخرى، وقد كانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أول جامعة سعودية تنشئ سنة تحضيرية منذ تأسيسها.

وبلا شك فإن وجود السنة التحضيرية في جامعة الملك فهد وبقية جامعاتنا لاحقا كان لغاية جميلة ومثالية تتضمن أهدافا طموحة ودافعة للتفاؤل ليس أقلها ردم فجوة حقيقية أو متوقعة بين التعليم العام والتعليم العالي (حينها)، والوصول بالطالب الجامعي إلى التكيف نفسيا وأكاديميا واجتماعيا، إضافة إلى تكثيف العلوم الأساسية وإكسابه مهارات اللغة الإنجليزية والحاسب والمهارات السلوكية المختلفة، مما يتوقع معه تميز تحصيلي مع الحد من التسرب والهدر الأكاديمي الناجم عن انخفاض المعدلات أو عدم الاستقرار في تخصص بعينه، ولكن ومع كل أسف تلك الغاية النبيلة وما تحويه من أهداف رائعة شوهتها وسائل تنفيذ هزيلة وشكلية، في أغلب جامعاتنا مع فروق بسيطة هنا أو هناك، حيث اعتمدت الجامعات في تشغيل السنوات التحضيرية على شركات سميت علمية لكنها في حقيقتها - على الأغلب - تجارية بحتة، ركزت على الربح المادي بشكل ضحت معه بكل هدف يرجى تحقيقه مستقبلا، وبررت غاياتها كل الوسائل للحصول على المبلغ المادي المتفق عليه مع الجامعة.

وبسبب كل ذلك ظهرت العشوائية والارتجال وغاب التخطيط واختفت آليات المراقبة ومعايير القياس والتقييم، وكان دور الوزارة رماديا تجاه كل ذلك، وتركت الأمر برمته للجامعات التي في جلها أعطت الحرية للشركات دون مراقبة تذكر، فظهر الخلل في كل الاتجاهات، مبالغ تعاقدات خيالية ومدربو شركات بشهادات مجهولة المصدر، ومقررات نسخ ولصق، وأنشطة باهتة لا نشاط فيها، ولوث ذلك الإثم الذي حاك بالوسيلة تلك الغاية النبيلة، مما حدا بالمجتمع عموما - ناهيك عن المجتمع الأكاديمي - إلى رفض السنة التحضيرية في جامعاتنا وحكموا بفشلها، بل ووصفوها بالسنة التعجيزية والتدميرية، كما ورد في بعض الصحف حينها. وأتفق مع ما صرح به معالي وزير التعليم مؤخرا من إمكانية الاستغناء عن السنة التحضيرية لو حققنا الأهداف أعلاه من خلال مراحل التعليم ما قبل الجامعي.

كان كل ما تقدم من خلال استقراء الواقع، ومن خلال دراسات علمية استطلاعية، إضافة إلى تجربة شخصية، حيث أشرفت على عمادة السنة التحضيرية بإحدى جامعاتنا قبل خمس سنوات، وهالني ما اطلعت عليه حينها من مخالفات لدى شركة التشغيل على كل الصعد، وبالذات العلمي الأكاديمي، مما حدا بنا إلى الاستغناء عن الشركة وتشغيل السنة التحضيرية ذاتيا حينها، وقد كسبت الجامعة من أوجه عدة، حيث ارتفع مستوى الأداء العلمي، وخفض المبلغ المالي إلى نحو النصف، واعتمدنا معايير صارمة لإقرار المناهج وتفعيل الأنشطة، وكان الوضع سيكون أفضل لو كنا تمكنا من تنفيذ ما خططنا له من حيث تشغيلها عن طريق السعوديين المؤهلين العائدين من برامج الابتعاث في تخصصات السنة التحضيرية، ولكن (البيروقراطية) الإدارية وعوامل أخرى أدت إلى تأجيل ذلك، بل وأعيد التعاقد الآن مرة أخرى مع إحدى شركات التشغيل التجارية، لأسباب أبرزها أن الوزارة لا تمنح مبلغ التعاقد في حال التشغيل الذاتي، إضافة إلى أن موضوع التعاقد لا يخضع لمعايير موضوعية دقيقة تقيس ما يؤدي إليه من نواتج تعلم، إنما لقناعات ذاتية لصاحب الصلاحية، ومبررات مادية تخرج من حساباتها مصلحة طلاب وطالبات الجامعة المستهدفين.

@khalidhamdann