شاكر أبوطالب

الإعلام القوي.. إرادة وقيادة!

الاحد - 20 يناير 2019

Sun - 20 Jan 2019

مع منتصف تسعينات القرن الميلادي الماضي، انتقلت صناعة الإعلام إلى مستوى جديد يتسم بسرعة الإيقاع، وتعاقب التحولات التي طالت جميع عناصر العملية الاتصالية، مما وضع الوسائل الإعلامية أمام تحديات معقدة، ليس فقط نتيجة الضغط المتزايد من تقنيات الاتصال والمعلومات، بل حتى على صعيد تغير العادات الاتصالية وظروف التعرض لجماهير وسائل الإعلام.

هذه الظروف وغيرها وضعت وسائل الإعلام على المحك في العقود الثلاثة الأخيرة، ولكن المشهد الإعلامي السعودي بالغ التعقيد، فالتفاصيل ليست كما ينبغي، سواء على مستوى الإعلام الحكومي أو الخاص، فوزارة الإعلام، وزارة الثقافة والإعلام سابقا، قد تغير وزيرها مرتين خلال السنوات القريبة الماضية، ولم يشفع العمل في حقلي الدبلوماسية والإعلام بالنجاح للوزيرين السابقين، وهذا مؤشر على عدم الرضا إجمالا على الأداء الإعلامي السعودي داخليا وخارجيا، وكذلك مؤشر على عدم الرضا على أداء الوزارة في إدارة ما يتبع لها من هيئات ومؤسسات ومراكز، فضلا عن تبعات تغير الوزير وعدم الاستقرار الإداري.

ولا زلنا في المراحل الأولى من عملية التحول إلى السعودية الجديدة في عام 2030. هذه الرؤية الوطنية الطموحة والواعدة، وقبل ذلك مكانة المملكة في العالم، بحاجة ماسة إلى إعلام محترف وقوي قادر على تعزيز المكانة العالمية الهامة للوطن، ومواكبة سلسلة التطورات التي يمر بها المجتمع بكل مكوناته، وترسيخ ثقافة المحافظة على المكتسبات والبناء عليها.

فعلى الصعيد المرئي، لا زال التلفزيون الرسمي في طور البحث عن القيادات المناسبة لإحداث التحول المطلوب في الخدمات التلفزيونية، والشبكات التلفزيونية والقنوات الفضائية غير الرسمية والمحسوبة على السعودية لا زالت تواجه تحديات ندرة القيادات، ومخاطر تعدد الأيديولوجيات داخل بيئة العمل، وأقرب الأمثلة على ذلك التغير الذي طرأ على قيادات قناتي «العربية» و«الحدث».

وفي بلاط صاحبة الجلالة، الأمر أكثر تعقيدا من قبل، فبعد عقود من سيطرة القيادات ذات التوجهات التقليدية على كراسي رئاسة التحرير في الصحف السعودية، آلت رئاسة التحرير للقيادات الشابة والطموحة، ولكن أزمة الصحف الورقية لم تمهلهم كثيرا لإبراز ما لديهم من إمكانات ورؤى تطويرية، ويحسب لهم أنهم لا زالوا صامدين في مواجهة تحديات التوجهات الجديدة للوزارات المساهمة في انحسار الإعلان وتسرب المواهب.

أما بالنسبة للإذاعة، فقد تعايشت مع انحسار دورها وحصتها في السوق الإعلامية، ولا زالت قياداتها تدور في فلك الاستفادة من تنامي الازدحام في المدن السعودية الكبرى، لاقتناص ساعات معدودة من يوم المستمع، واقتسام قطعة بسيطة من سوق الإعلانات، ولعلها الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي لا تشعر قياداتها بتحديات المنافسة أو تعقيدات مرحلة التحول!

وهناك العديد من الفوائد التي يمكن استخلاصها من المشهد الحالي، منها: أن الأبوية الصارمة على وسائل الإعلام أفرزت قيادات ليست مبتكرة وغير قادرة على إدارة الأزمات، وجيلا من الإعلاميين يتنافس بعيدا عن مضمار النقد والتحليل، ومؤسسات إعلامية غارقة في البيروقراطية، وبيئة عمل غير جاذبة للمواهب والتنافسية.

هذا المشهد الإعلامي المتواضع في تفاصيله ومخرجاته يحتاج في المقام الأول إلى رغبة وإرادة داخل الدائرة السياسية لإيجاد المناخ الأفضل لرفع الأداء لمختلف وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، وتعزيز التنافسية في السوق الإعلامية، وتطوير بيئة العمل القادرة على بناء قيادات إعلامية قوية ومبتكرة، تستطيع النهوض بالواقع الإعلامي اليوم، بعد إخفاق بعض القيادات الإعلامية في إحداث التحول المطلوب، فالإعلامي الموهوب كائن لا يعيش أو يتطور إلا في مجتمع مستقل يتقبل النقد ويدافع عن إبداء الرأي ويحترم أصول مهنة الصحافة.

باختصار بسيط؛ الإعلام يحتاج بيئة عمل محفزة وحاضنة للإبداع والابتكار والتحليل والقراءة والنقد، تدار من قبل قيادات موهوبة وملهمة تتميز بقوة الشخصية، وفرادة التفكير، وتعدد المهارات، وتنوع المعارف والثقافات.

shakerabutaleb@