خالد الحمدان

البحوث العلمية والتربوية.. للتنمية أم للترقية؟

الأربعاء - 16 يناير 2019

Wed - 16 Jan 2019

تحرص حكومات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء على رسم خطط تنموية شاملة للمجالات التي تحتاجها، كما تحرص على توفير مقومات تفعيلها، وتلجأ الدول المتقدمة بشكل ملحوظ إلى استخدام البحث العلمي لرصد متطلبات خطط التنمية. وهذا مؤشر على تنامي الوعي لديها بأهمية البحث العلمي في تحقيق متطلبات الحياة الحضارية. وقد تبنت المملكة العربية السعودية خططا تنموية حددت لها أهدافا عامة وإجراءات تتناسب وكل مرحلة زمنية مرت بها الدولة، وتتسق حاليا مع رؤية المملكة 2030. ويمثل التعليم واحدا من مجالات خطط التنمية السعودية الرئيسة، والذي حظي باهتمام الدولة وكان ضمن أهم أولوياتها.

ويضطلع البحث العلمي بدور هام ومحوري في تنمية المجتمع ككل والمجتمع العلمي على وجه الخصوص، من حيث استثمار القدرات والطاقات الوطنية، وصقل المتميز منها بالخبرة والتدريب اللازمين للمشاركة في جهود التنمية على الصعيد المحلي، وكذلك من حيث إتاحة البيئة الملائمة لإجراء الدراسات النوعية، بما يتوافق مع متطلبات التنمية الاجتماعية والنهوض بالمجتمع المحلي ورفع مستوى معيشة الأفراد وتغيير نمط حياتهم إلى الأفضل.

وعلى المستوى الشخصي ومن خلال اطلاعي على تجارب العديد من كليات التربية في المملكة هالني ذلك العدد الهائل والضخم من البحوث التربوية والنفسية التي أنجزت من خلال كليات التربية وأقسامها المتعددة، سواء للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه لطلاب الدراسات العليا أو للحصول على ترقيات علمية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية، ناهيك عن البحوث الأخرى التي تجرى كمتطلبات لإنهاء بعض المقررات الدراسية خلال مرحلة الدبلوم أو ما فوقها. والشيء المثير والمدهش أنه وعلى مدى نحو 40 عاما وتلك الأبحاث لا تعدو كونها تحتل مكانا على أرفف مكتبات جامعاتنا، يرجع إليها بعض الباحثين وطلاب الجامعة والمختصين فقط، وصودر حق المجتمع في الاستفادة من نتائج تلك الأبحاث وتوصياتها على مستوى الواقع العملي بما يقدم خدمة مجتمعية راقية ومؤسسة على أساس علمي أطرته نتائج تلك الأبحاث.

وفي دراسة أجريت لفحص 542 رسالة ماجستير ودكتوراه تم إعدادها خلال الفترة (1411- 1435) وفق أداة مصممة لهذا الغرض، اتضح أن حجم تفعيل الرسائل الجامعية لأهداف خطط التنمية السعودية خلال تلك الفترة كان ضعيفا، وقد أكدت دراسات سابقة هذه النتيجة، إذ أشارت إلى أن حركة البحث العلمي والتربوي لا تلبي حاجات ومتطلبات التنمية في المجتمع.

ونظرا لكون متطلبات خطط التنمية مصدرا هاما من مصادر بناء الخرائط البحثية التي تتبناها جهات أكاديمية وبحثية، حيث تعتمد على هذا المصدر في رصد أبرز التوجهات التنموية للدولة، ومن ثم صياغتها على هيئة أهداف وتحديد آليات لتحقيقها، وهي تختلف من مرحلة تنموية إلى مرحلة تنموية أخرى وفق الظروف التي تمر بها الدولة، لذا لعل من المفيد أن تتجه عمادات الدراسات العليا، وهي الجهة المعنية بطلبة الدراسات العليا، وعمادات البحث العلمي، وهي الجهة المعنية بأعضاء هيئات التدريس، إلى التواصل مع مؤسسات الدولة الميدانية - في إطار الشراكة مع المجتمع - لرصد أبرز التوجهات التنموية لها، ومن ثم رسم خطط بحثية وتعميمها على كليات الجامعات؛ للعمل بموجبها وترجمتها إلى إنتاج بحثي يتشارك في إنجازه طلبة الدراسات العليا وأعضاء هيئات التدريس.

وقد تقدمت شخصيا لوزارة التعليم ولبعض الجهات المعنية بالأمر بمقترحات عدة تدور فكرتها حول تبني إنشاء مركز علمي وطني يعنى بتلك الأبحاث وفرزها بحسب المجال الذي طبقت فيه، ومن ثم التنسيق بين ما تحويه من معرفة وتنظير مع ما يمكن أن يطبق منها كواقع عملي ميداني. لكن مع الأسف إلى الآن لم أشاهد في بلدنا الحبيب، وربما بعض البلدان العربية، مثل تلك المراكز العلمية لتي تنقل البحوث العلمية من أرفف المكتبات إلى حياتنا العملية، وتحقق خدمة مجتمعية مؤطرة علميا، وفي الوقت نفسه تستفيد من ذلك الجهد المبذول وتحد قدر الإمكان من الهدر البشري والمادي في مجال البحوث العلمية.

@khalidhamdann