شاكر أبوطالب

الترفيه بأثر رجعي!

الاحد - 06 يناير 2019

Sun - 06 Jan 2019

الترفيه هام لسلامة الصحة الاجتماعية للإنسان، وأكثر أهمية لتربية الطفل وبناء شخصيته، ويفيد في كسر رتابة الحياة، ويساعد على تغيير التفاصيل المتكررة يوميا. وغالبا ما يسهم الترفيه في تجديد الطاقة الإيجابية للجسد والعقل، ويجلب الراحة والمتعة والسعادة.

والترفيه ليس لسد وقت الفراغ، ولا مضيعة للوقت، بل دائما هناك هدف أو أهداف من ممارسة الإنسان أو المشاركة في أي نشاط ترفيهي. ولذلك فإن الترفيه يتطلب رغبة وقبولا واختيارا، حتى يشعر الإنسان بالاسترخاء والاستمتاع في الوقت المخصص للترفيه بعيدا عن بيئة العمل أو الدراسة.

وهناك بعض المفاهيم المغلوطة التي ارتبطت بالترفيه بمرور الزمن، ومن ذلك أن الترفيه نشاط يتطلب توفير تكاليف مالية عالية، فيترسخ في الذهنية أن المرادف للترفيه هو الأعباء المالية، وهذا فهم غير دقيق، فكل إنسان قادر على إيجاد النشاط الترفيهي المناسب لظروفه المالية.

وهناك من يعتقد أن الإنسان الممارس للترفيه لا يتحلى بالجدية في حياته، ولن ينجز هدفا في بيئة عمله، وهذا غير صحيح وفق دراسات علمية عديدة؛ أثبتت أن الترفيه والاسترخاء يجددان طاقة الإنسان ويزيدان من قدرته على الإنجاز.

في المملكة، سار الترفيه ببطء خلف المجتمع الذي كان في طور النمو والتشكل، نتيجة الرؤية الدينية المحافظة المتسقة مع بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، ومن أوجه الترفيه آنذاك عرض الأفلام السينمائية في دور وصالات بمدينتي جدة والرياض، إضافة إلى بعض العروض المسرحية والحفلات الغنائية وغيرها.

هذه المظاهر الترفيهية اختفى معظمها بنهاية السبعينات الميلادية، بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وانتهاء احتلال الحرم المكي من قبل جهيمان وأتباعه من الإرهابيين، ليس هذا فحسب، بل حتى التسجيلات الغنائية اختفت من بث التلفزيون السعودي الرسمي. وبخلاف «مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة»، لم تظهر أي فعاليات ترفيهية في المدن السعودية خلال فترة الصحوة، نتيجة الضغط المشترك بين المؤسسة الدينية والتيارات الدينية على العديد من مظاهر الترفيه، وتحريمها ومنع إقامتها.

في عام 1998، شهدت منطقة عسير تنظيم «مهرجان أبها الغنائي» على مسرح المفتاحة في عهد الأمير خالد الفيصل، وفي عام 1999، احتضنت محافظة جدة «مهرجان جدة الغنائي» في عهد محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد، وفي عام 2000، تأسست «الهيئة العليا للسياحة» التي ساهمت في تطوير مهرجانات المناطق ذات الجذب السياحي، إلى جانب اهتمامها بدعم التراث الوطني.

لم يكن للترفيه موطئ قدم في المملكة قبل السابع من مايو 2016؛ الذي شهد تأسيس «الهيئة العامة للترفيه»، وذلك من أجل إنشاء كيان خاص ومستقل للترفيه، معني بتنفيذ الجانب الترفيهي لرؤية المملكة 2030، والتي تجسدت في إطلاق هيئة الترفيه «برنامج جودة الحياة»، وغايته أن يصبح الترفيه واحدا من أبرز القطاعات الاقتصادية المساهمة في تنويع مصادر الدخل، وتنمية المجتمع، وخلق فرص العمل، من خلال دعم جهود المناطق والمحافظات، والقطاعين غير الربحي والخاص في إقامة المهرجانات والفعاليات، وتفعيل دور الصناديق الحكومية للمساهمة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية؛ وتشجيع المستثمرين في قطاع الترفيه، وعقد الشراكات مع رواد الترفيه في العالم، وإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون وغيرها.

وبعد مرور عامين ونصف العام على تأسيس هيئة الترفيه، نفذت العديد من الفعاليات الترفيهية التي كان أغلبها ذا طابع رياضي أو غنائي، وليس سرا القول بأن الترفيه أوسع من الرياضة والغناء معا، فالترفيه متعدد ومتنوع، بحسب الهدف من الترفيه، والفئة العمرية المستهدفة، ووفق الظروف المكانية والزمانية. وليست هناك حاجة لاستيراد تجارب ومشاريع ترفيهية خفتت وانتهت في المجتمعات التي ظهرت فيها، حتى وإن تم إنتاجها وتكييفها وفق ثقافة المجتمع السعودي، إلا إذا كان الترفيه بأثر رجعي! أو مجرد قطاع لتطوير ذكريات الطفولة!

فلدى المملكة إرث ضخم من التاريخ والثقافة، وتنوع واسع اجتماعيا وجغرافيا، كفيل بابتكار وتنفيذ المئات من الفعاليات الترفيهية التي يمكنها تلبية حاجات المجتمع، واستثمار ما لدى المواطنين والمقيمين من طاقات ومواهب.