منهج إدارة التغيير لتغيير منهج الإدارة

الأربعاء - 21 نوفمبر 2018

Wed - 21 Nov 2018

منذ أن خلق الله تعالى البشرية ابتداء بآدم عليه السلام ومنهجية التغيير هي السنة الكونية السائدة على مر العصور والدهور في كل حال من الأحوال إلى يومنا هذا وإلى قادم الأيام حتى يرث الوارث الأرض ومن عليها، ومجالات التغيير عديدة ومتنوعة، مثل التغيير الاجتماعي والتغيير السلوكي والتغيير التعليمي والتغيير الفكري، وغيرها الكثير من المجالات المستحدثة بسبب اختلاف المفاهيم البشرية المتطورة، ونظرا لتعدد التخصصات واختلاف الاهتمامات والمخرجات التي أجبرت العالم على التغيير لمواكبة كل ما هو جديد.

والتغيير ظاهرة صحية بلا شك إنفاذا لأمر الله تعالى، حيث قال في محكم تنزيله «له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» الرعد 11، وأركز في هذا المقال تحديدا على التغيير الإداري في المنظمات في عصرنا الحديث، والذي أعرفه بتبديل الوضع التنظيمي الحالي إلى وضع تنظيمي أفضل في شكله ومضمونه وعملياته.

وعندما أتحدث عن «إدارة التغيير» كمفهوم إداري وسلوكي جديد فإنني أقرن هذا المفهوم بمفهوم متجدد أيضا وهو مفهوم «إدارة المعرفة»، حيث يلعبان دورا محوريا استراتيجيا في عملية التجديد المستمر والابتكار المتوالي والإبداع المتتالي، ورأس المال البشري في المنظمات هو الأساس والمعني بعملية التغيير، لأنه المستودع الفكري الحامل للمعرفة التي تمثل جميع الخبرات والمهارات والتدريبات والقدرات والسلوكيات والحقائق والمعتقدات المتراكمة لدى الموظفين في كل مراحلهم ومستوياتهم العلمية والعملية والعمرية في المنظمة. والمعرفة في أساسها نوعان، الأول «المعرفة الخاصة»، وتنشأ نتيجة أقدمية فترة الموظف وخبرته الطويلة، وهي «معرفة ضمنية كامنة»، أي تكون حبيسة في عقله ولا يصرح بها، بل تأتيه إما جراء محاكاته وتلقيه أساليب العمل من زملائه الذين سبقوه واستفاد منهم وتسمى «المعرفة المقتبسة»، أو أنها «معرفة ابتكارية» لنتيجة إبداعية وليدة وحصرية بسبب حالة إلهام وذكاء لهذا الموظف. والنوع الثاني «المعرفة العامة» أي المصرح بها والمنشورة في سجلات ووثائق وأدلة وقوانين وتعاميم مكتوبة ومطبوعة على أوراق ودفاتر وملفات، أو تكون معرفة تقنية مثل محتويات البريد الالكتروني والبرامج والتطبيقات الذكية. فالموظفون هم من يعول عليهم في التغيير بسبب الكنز المعرفي الذي يمتلكونه، وهذا هو الرابط الوثيق بين التغيير والمعرفة.

تقوم معظم المنظمات ممثلة في إداراتها التنفيذية العليا أو مجالس إداراتها في العادة بإجراء التغيير لسببين، إما لاستشعار الحاجة الداخلية للمنظمة بغرض التجديد أو التطوير في أنظمتها، وهو ما أسميه «التغيير المستبصر» أي التغيير الذي ارتأته المنظمة ذاتيا، أو أن يأتي التغيير بالأمر والتوجيه وهو «التغيير الإلزامي»، نتيجة تفشي خلل معين وشعور العملاء بذلك من خارج المنظمة، وفي الغالب تستعين المنظمات المحلية أو الإقليمية بـ «دور الخبرات» لتقديم الاستشارات وإجراء التغييرات.

ومن خلال ملاحظتي لمعظم المنظمات وقراءتي للمنهجيات فإن أول ما يتبادر إلى أذهان التنفيذيين أو توصيات المستشارين هو كيفية التصدي للمقاومة والرفض من قبل الموظفين وآلية محاصرتهما بتصميم برنامج متكامل لتغيير أفكار ومعتقدات الموظفين، حتى يتقبلوا التغيير الحاصل إما قسرا أو طواعية، علما أن جذور المشاكل التنظيمية والتعقيدات والإخفاقات الحاصلة في معظم المنظمات نتيجة لصراعات كبار التنفيذين وتحزباتهم وشلليتهم التنظيمية، وبالتالي يسقطون تلك الإخفاقات على الموظفين بإلباسهم تهمة رفض التغيير، وفي الأصل أن مقاومي التغيير في المنظمة هم من يملكون السلطة وليس المعرفة.

وفي رأيي أجد أن منهجية التغيير يجب أن ينظر لها إسقاطيا من الأعلى، وسأوضح ذلك بمثل لتقريب الصورة؛ في حال أردنا أن نهدم مبنى شاهقا سنأتي أولا من أسفله لخلخلته،وبالتالي يتساقط أو يسقط برمته، ولكن إذا ما أردنا تنظيفه وتحسينه نتوجه إلى أعلاه لنبدأ بتطويره، كذلك هو الأصل في منهج التغيير الإداري؛ نأتي أولا إلى قادة المنظمات ونطبق عليهم ما يسمى بـ «الغربلة الإدارية» ليتساقط منهم من يمتلكون أفكارا جامدة وعقيمة تعوق التغيير ولا تتواكب مع متطلبات المرونة والتطوير، ونركز على من لديهم نزعة التفريق والاستحواذ والمحسوبيات ليحتفظوا بنفوذهم ومكانتهم ومزاياهم التنظيمية ليتم تفكيك مراكز القوى باستبقاء المتميزين وتسريح الفاشلين؛ فقادة المنظمات هم من لديهم القرار لينفذه الموظفون الصغار.

سؤالي الآن بعد كل هذا الاستعراض: من يحتاج إلى التغيير رأس المال البشري أم رأس الهرم الإداري؟

Yos123Omar@